الصفحة الماضية

السؤال  16 الى  23 

الصفحة الآتیة

السؤال السادس عشر

هل تعتقد الشيعة بتحريف القرآن ؟

المشهور بين علماء الشيعة هو أنّ القرآن الكريم مصون عن التحريف ، وأنّه لم يتطرّق إليه التصحيف أصلاً ، وأنّ القرآن الموجود بأيدينا اليوم هو عين القرآن النازل على نبيّنا(صلى الله عليه وآله) من دون زيادة ونقصان ، ولأجل إيضاح ما قلناه نذكر بعض الأدلّة على ذلك :

1 ـ  إنّ الباري سبحانه وتعالى ضمن لنا حفظ كتابه العزيز ، حيث قال :

 إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ [1]

وبما أنّ الشيعة يعتبرون القرآن منهجاً فكرياً وعملياً لهم فهم يعظمون هذه الآية ويؤمنون بما تنادي به من حفظ وصيانة الكتاب العزيز .

2 ـ إن قائد الشيعة الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي كان مرافقاً للنبي(صلى الله عليه وآله) دوماً ، وكان من كتّاب الوحي ، كان يوصي الناس ـ وفي مناسبات مختلفة ـ بالرجوع إلى القرآن ، وإليك بعض كلماته النيّرة :

«واعلَموا أنّ هذا القرآنَ هو الناصِحُ الذي لا يَغِشُّ ، والهادي الذي لا  يَضِلُّ ، والمُحدِّثُ الذي لا يَكذِبُ»[2]

وقال :

«وإنّ اللهَ سبحانَه لم يَعِظ أحَداً بمِثلِ هذا القُرآنِ ، فإنّه حبلُ اللهِ المتينُ ، وسَبَبُه الأمينُ»[3] .

وقال :

«ثمّ أنزلَ عليهِ الكِتابَ نوراً لا تُطفأُ مصابيحُه ، وسِراجاً لا يَخبو تَوقُّدُه ، وبَحراً لا يُدرَكُ قَعرُه ، ومِنهاجاً لا يَضِلُّ نَهجُه ، وشُعاعاً لا يُظلمُ ضَوؤُهُ ، وفُرقاناً لا يَخمَدُ بُرهانُه»[4]

فكلام سيد الأوصياء يوضح أنّ القرآن مصباح هداية لمن استضاء به ، لا يطفأ نوره إلى الأبد ، فكلّ تغيّر يوجب إطفاء هذا النور ، أو يسبّب الضلالة ، فهو غير ممكن فيه .

اتفق علماء الشيعة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال :

«إنّي تاركٌ فيكُم الثَّقَلينِ ما إن تَمَسَّكتُم بهما لن تَضِلّوا ; كِتابَ اللهِ وعِترتي ، وإنّهما لَن يَفتَرِقا حتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ»[5]

وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين ، فرواه السنّة والشيعة . ومنه يعلم بوضوح أنّ القرآن الكريم ـ في نظر الشيعة ـ لا يتسرّب إليه التحريف والتغيير ، لأنّه إذا نفذ التحريف إلى الكتاب العزيز فلا يكون التمسّك به موجباً للهداية ، وهذه النتيجة تخالف النص المتواتر .

صرّحت روايات أئمتنا المعصومين والتي رواها علماؤنا وفقهاؤنا أنّ القرآن ميزان لتمييز الحقّ من الباطل ، والصحيح من غيره ، وهذا بمعنى أنّ الكلام الوارد علينا باسم الحديث يجب عرضه على القرآن ; فما وافقه فهو حقّ وصحيح ، وما خالفه فهو باطل. والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة ، مروية في كتب الحديث والفقه ، نذكر منها رواية واحدة :

روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) :

«ما لم يُوافِق مِن الحديثِ القُرآنَ فهو زُخرُفٌ»[6]

فيستفاد من هذه الرواية أيضاً أنّ التغيّر والتحريف لا مجال له في القرآن الكريم ، ومن هنا فإنّ القرآن معيار لمعرفة الحقّ من الباطل إلى الأبد .

صرّح كبار علماء الشيعة والذين لهم قدم السبق في الثقافة الشيعية بأن القرآن لا يعتريه التحريف والتغيير . وبما أنّه يعسر إحصاء أسماء هؤلاء الأجلاّء جميعاً ، نذكر جملة منهم :

قال أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق  (المتوفّى سنة 381 هـ) : «اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس»[7]

وقال السيد المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي العلوي ، المعروف بعلم الهدى ( المتوفّى سنة 436 هـ): «وإنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، واُبي بن كعب ، وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) عدّة ختمات ، وكلّ ذلك يدل بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث»[8]

وقال أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المعروف بالشيخ الطوسي ( المتوفّى سنة 460 هـ) : «وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً ، لأن الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى(رحمه الله) ، وهو الظاهر من الروايات . غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ، لأنه يمكن تأويلها»[9]

وقال أبو علي الطبرسي صاحب التفسير المعروف «مجمع البيان»: «ومن ذلك: الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنه لا يليق بالتفسير; فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه. وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه»[10]

وقال عليّ بن طاووس الحلّي المعروف بالسيد ابن طاووس ( المتوفّى سنة  664 هـ): «في نظر الشيعة أنّ القرآن لا يتطرق إليه التحريف»[11]

وقال زين الدين العاملي ( المتوفّى سنة  877 هـ) في تفسير الآية:  إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ[12]: «يعني أنّنا نصون القرآن ونحافظ عليه من كلّ تغيير وتحريف»[13]

وقال القاضي السيد نور الدين التستري صاحب كتاب «إحقاق الحقّ» (المتوفّى سنة  1019 هـ) : «ما نسبه البعض إلى الشيعة الإمامية من القول بتحريف القرآن ، ليس هو قول الشيعة أجمع، وإنّما قال به قليل منهم ، ولا يعتنى بهم»[14]

وقال محمد بن حسين المعروف ببهاء الدين العاملي (المتوفّى سنة 1030 هـ) : «الصحيح أنّ القرآن العظيم مصون عن كلّ زيادة ونقصان ، وما يقال من أنّه "حذف اسم أمير المؤمنين(عليه السلام) من القرآن" فهو غير مرضي عند العلماء ، وكلّ من يسبر التاريخ والروايات يعلم أنّ القرآن ـ لتواتره ونقل آلاف الصحابة له ـ ثابت ، وأنّه جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[15]

 9ـ  وقال الفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي (المتوفّى سنة    1091 هـ) : «فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير، وأيضا قد استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمة(عليهم السلام) حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله»[16]

10ـ وقال الشيخ الحرّ العاملي (المتوفّى سنة 1104 هـ): «كلّ من يسبر التاريخ والروايات يعلم أنّ القرآن ـ لتواتره ونقل آلاف الصحابة له ـ ثابت ، وأنّه جمع ورتِّب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[17]

11ـ وقال المحقق الجليل الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المعروف (كشف الغطاء):«لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر»[18]

12ـ وقال قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني(قدس سره) : «إنّ الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة ، يقف علي بطلان تلك المزعمة، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة . وما وردت فيه من الأخبار، بين ضعيف لا يُستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل، ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تأريخ القرآن، وما جرى عليه طيلة تلك القرون، وأوضحنا لك أن الكتاب هو عين ما بين الدفّتين. والاختلاف الناشئ بين القرّاء ليس إلاّ أمراً حديثاً، لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين»[19]

 

 

النتيجة :

بهذا يتضح أنّ جمهور المسلمين سنّة وشيعة يعتقدون أنّ القرآن الموجود بأيدينا هو القرآن النازل على النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه مصون عن التغيير والتحريف سواء كان زيادة أو نقصاً .

كما يتضح بذلك وهن ما نسب إلى الشيعة من القول بالتحريف ، وإن كانت النسبة إليهم بسبب وجود روايات ضعيفة في ذلك ، فنقول إن وجود الروايات الضعيفة لا يختص بطائفة يسيرة من الشيعة بل روى جملة من المفسرين السنّة روايات في ذلك أيضاً ، نشير إلى بعضها :

روى أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره عن أبي بكر الأنباري عن اُبي بن كعب :

«كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة، وكانت فيها آية الرجم: (الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجموهما ألبتَّةَ نَكالاً من اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ)»[20]

وروى فيه أيضاً عن عائشة أنها قالت :

«كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مئتي آية ، فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلاّ على ما هي الآن»[21]

2ـ  وقال السيوطي في كتاب الإتقان :

«وفي مصحف ابن مسعود مئة واثنتا عشرة سورة ; لأنه لم يكتب المعوّذتين . وفي مصحف اُبي مئة وست عشرة لأنّه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع»[22] .

مع أنّ الجميع يعلم أنّ عدد سور القرآن مئة وأربع عشر سورة ، ولا نجد أثراً لسورتي الحفد والخلع .

وروى هبة الله بن سلامة في كتاب «الناسخ والمنسوخ» عن أنس بن مالك أنّه قال :

«كنا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما أحفظ منها إلاّ هذه الآية: (لو كان لابنِ آدمَ واديانِ من ذهب لابتغى إليهما ثالثا، ولو أنّ له ثالثاً لابتغى إليه رابعاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب)[23] .

والحال أنّنا لا نجد آية في المصحف بهذا النص أو المضمون ، مع عدم انسجامها مع بلاغة القرآن .

4 ـ وروى جلال الدين السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» عن حذيفة قال :

«قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: ثنتين أو ثلاثاً وسبعين. قال: إن كانت لتقارب سورة البقرة، وإن كان فيها لآية الرجم»[24]

وعليه فنفر قليل من السنة والشيعة روت روايات ضعيفة في وقوع التحريف والتغيير في القرآن الكريم ، وهذه الروايات الضعيفة غير مقبولة عند أكثر المسلمين سنّة وشيعة ، بل تردها آيات الكتاب العزيز ، والروايات الصحيحة والمتواترة ، والإجماع ، واتفاق آلاف الصحابة ، واتفاق مسلمي العالم ، فإنها جميعاً متفقة على عدم وقوع التحريف زيادة أو نقصاً في الكتاب المجيد .


 

السؤال السابع عشر

ما هو رأي الشيعة في الصحابة ؟

ينقسم من تشرف بلقاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) في نظر الشيعة إلى أقسام ، ونرى من المناسب أولاً وقبل ذكر الأقسام أن نذكر تعريف الصحابي إجمالاً ، فنقول :

توجد تعريفات عديدة لصحابة النبيّ ، نشير إلى بعضها فيما يلي :

1ـ  يقول سعيد بن المسيب :

«لا يعد الصحابي إلاّ من أقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين»[25]

2ـ  وقال الواقدي :

«رأيت أهل العلم يقولون : كلّ من رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه ، فهو عندنا ممن صحب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولو ساعة من نهار»[26]

3ـ  وقال محمد بن إسماعيل البخاري :

«من صحب النبي(صلى الله عليه وآله) أو رآه من المسلمين فهو صحابي»[27]

4 ـ  وقال أحمد بن حنبل :

«كلّ من صحب النبيّ (صلى الله عليه وآله) شهراً أو ساعة أو رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فهو صحابي»[28]

وهنا نشير إلى أنّ أحد الاُمور المسلّمة بين علماء السنّة هو القول بعدالة الصحابة ، بمعنى أنّ من أدرك صحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) فهو عادل[29]

ولنذكر الآن تحقيق هذا المقال تبعاً للوارد في الآيات الكريمة ، ثمّ نعقّبه بذكر رأي الشيعة ـ النابع من مفاد الكتاب والسنة ـ في المسألة .

ذكر التأريخ أسماء وأوصاف أكثر من اثني عشر ألف شخصاً بعنوان «صحابة النبيّ(صلى الله عليه وآله)» ، نجد فيما بينهم وجوهاً مختلفة . ولا شك أنّ صحبة الرسول الكريم فخر عظيم ما ناله إلاّ طائفة من المسلمين . والاُمة الإسلامية تنظر إليهم دوماً بعين الإجلال والتعظيم ; فهم السابقون للإسلام ، وهم الذين هزّوا راية الإسلام المنصورة لأول مرة . بل إنّ القرآن الكريم مجّد بهم أيضاً فقال :

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا [30]

لكن يجب القول أيضاً أنّ صحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم تكن إكسيراً يقلب ويغيّر حقائق المسلمين ، بل ليست ضماناً للصحابي يضمن له الاستقامة مدى حياته .

ولإيضاح المسألة أكثر يجدر بنا الرجوع للقرآن الكريم والذي عليه اتفاق جميع المسلمين ; لننظر ما يرشدنا إليه في هذا المجال .

 

الصحابي في الرؤية القرآنية :

ينقسم من تشرّف بلقاء وصحبة النبيّ(صلى الله عليه وآله) في النظرة القرآنية إلى قسمين :

القسم الأول :

هم الذين أطرتهم الآيات الخالدة للكتاب العزيز ، ووصفتهم بمؤسسي كيان الإسلام الشامخ العزيز ، ونحن ننقل إليك بعض المقاطع النورانية من آي الذكر الحكيم المتعلقة بهذا القسم :

1 ـ  السابقون الأولون :

وَ السّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الاَْنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاَْنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [31]

 لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [32]

2 ـ  المهاجرون :

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانًا وَ يَنْصُرُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ [33]

 

 

3ـ أصحاب الفتح :

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانًا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [34].

القسم الثاني :

القسم الثاني ممّن صحب النبيّ(صلى الله عليه وآله) هم المنافقون أصحاب الوجوه المتعددة ، وأصحاب القلوب المريضة ، وقد فضحهم الذكر الحكيم ، وأبان حقيقتهم للنبيّ الكريم عليه وآله صلوات المصلّين ، وإليك بعض الآيات المتعلقة بهذا القسم :

1ـ المنافقون المعروفون :

 إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [35]

2ـ  المنافقون المجهولون :

 وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الاَْعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذاب عَظِيم [36]

3ـ  أصحاب القلوب المريضة :

 وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا [37]

4ـ المذنبون :

 وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحًا وَ آخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [38]

مضافاً إلى الآيات المذكورة الذامّة لهؤلاء الصحابة ، وردت بعض الروايات عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) في ذمّ بعض الصحابة ، وإليك نموذجان منها :

روى أبو حازم سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول :

«أنا فرطكم على الحوض ، من ورد شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، وليردنّ عليّ الحوضَ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفونني ، ثمّ يُحال بيني وبينهم»

قال أبو حازم : فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا اُحدثهم هذا الحديث ، فقال : هكذا سمعتَ سهلاً يقولُ ؟ قال : فقلت : نعم . قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول :

إنّهم من اُمتي ! فيقالُ : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سُحقاً سُحقاً لمن بدّل بعدي»[39]

فيعرف من قوله(صلى الله عليه وآله) «أقوامٌ أعرفُهم ويعرفونني» ، ومن قوله : «سُحقاً لمن بدّل بعدي» ، أنّ المراد من هؤلاء أصحابه الذين عاشوا معه مدة .

2ـ  روى البخاري ومسلم عن النبيّ أنّه قال :

«يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيجلون[40] عن الحوض ، فأقول يا ربّ أصحابي ! فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى»[41]

النتيجة :

المستفاد من آيات الكتاب والسنّة الشريفة أنّ الذين نالوا شرف صحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليسوا بمرتبة واحدة ، وإنما هم على مراتب متعددة ، فبعضهم في أعلى درجات الكمال والرفعة ، حتى كان السبب في نمو شجرة الإسلام اليانعة . وبعضهم مريض القلب ، منافق ، له وجهان . وبعضهم مذنب .

وبهذا يتضح نظر الشيعة في الصحابة ، وهو عين النظرة القرآنية والنبوية لهم .


 

السؤال الثامن عشر

ما المراد من نكاح المتعة ولماذا يحكم الشيعة بحلّيته ؟

الجواب :

حقيقة النكاح هي نوع علاقة وارتباط شرعيّ يحصل بين الرجل والمرأة ، غاية الأمر أنّ هذه العلاقة بين الزوجين قد يكون لها أمد معين تنتهي إليه ، وقد لا يكون لها أمد وزمان مشخص في العقد بل هي علاقة دائمية بين الزوجين . فكلا النحوين نكاح شرعي وإنما الفرق بينهما هو في المدّة فأحدهما دائم والآخر مؤقّت وله مدّة معيّنة ، والنكاحان متشابهان في كثير من الخصوصيات .

وأما الشروط المعتبرة في نكاح المتعة فهي نظير الشروط المعتبرة في النكاح الدائم ، وهي :

1ـ  أن لا يمنع من زواجهما مانع شرعي ، سببياً كان المانع ، أو نسبياً ، أو غيرهما ، فإن منع مانعٌ كان عقدهما باطل .

2ـ  أن يذكر المهر المتفق عليه بين الزوجين في صيغة العقد .

أن تعيّن مدة الزواج .

إجراء صيغة العقد بين الزوجين .

الطفل المولود من الزوجين بهذا النكاح طفلهما شرعاً ، كالطفل المولود من النكاح الدائم ، من دون أيّ فرق بينهما ، فيجب أن يمنح جنسية كما يمنح المولود من النكاح الدائم .

نفقة الأولاد المولودين بهذا النكاح على الأب ، كالنكاح الدائم . ويرث الأولاد أبويهما .

إذا انقضت مدة نكاح المتعة وجبت العدّة على الزوجة إن لم تكن يائساً ، فإن تبيّن خلال العدّة أنها حامل فلا يحق لها التزويج حتى تنقضي العدة .

وهكذا يجب رعاية بقيّة أحكام النكاح الدائم في نكاح المتعة سوى أمرين هما ;

أـ بما أنّ الهدف من تشريع نكاح المتعة هو رفع الضرورة فلا يجب على الزوج النفقة على الزوجة ، بل نفقة الزوجة من مالها .

ب ـ  ليس للزوجة إرث في هذا الزواج إن لم تشترطه في متن العقد .

ومن الواضح أنّ كلا الأمرين خارجان عن حقيقة النكاح . والجميع يعتقد أنّ الشريعة الإسلاميّة شريعة خالدة ، وهي خاتمة الشرائع الإلهيّة ، وهي الشريعة المتكاملة التي تلبّي حوائج البشرية أجمع .

وهنا نقول : إنّ الشابّ الذي يعيش الغربة ـ سواء في مدينة اُخرى أو في بلد آخر ـ من أجل إكمال دراسته الجامعية مثلاً هو بحاجة إلى ما يسدّ غريزته الجنسية من جانب ، والظروف التي يعيشها ـ من الناحية المادية وغيرها ـ لا  تساعده على الزواج الدائم من جانب آخر ، فهذا الشاب يرى أمامه ثلاث طرق لابدّ له من اختيار أحدها ، هي :

أـ أن يبقى على هذه الحال والمعاناة من حالة العزوبة .

ب ـ أن ينجرف في أمواج الفساد والفحشاء .

جـ ـ أن يتكيّف مع هذه الشرائط الحاكمة عليه فيلبّي حاجته ضمن الإطار الشرعي ; وذلك بالزواج بامرأة ـ ليس لها مانع شرعي من التزويج به ـ لمدّة معينة .

أما الطريق الأول فهو طريق فاشل غالباً ; وإن كان عدد قليل من الشباب ينجح في صبره ومقاومته وتحمّله ، ولكن هذا الطريق لا يمكن تطبيقه على الجميع بلا ريب .

وأما الطريق الثاني فعاقبة سالكه هي الضلال المبين ، وهو طريق محرّم ; فهو عمل حرام شرعاً كما لا يخفى . كما أنّ تجويزه بحجّة الضرورة نوعٌ من الضلال والانحراف الفكري أيضاً .

وعليه فلا يبقى سوى الطريق الثالث الذي أبداه واقترحه لنا الشرع الإسلامي المقدّس ، والذي عمل به المسلمون في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وإنّما وقع الخلاف فيه بعده (صلى الله عليه وآله) .

ولابدّ من التنبيه على أمر هو : إنّ الذين يتخوّفون من نكاح المتعة ، ويعتقدون أنّه نكاح غير مشروع عليهم أن يلتفتوا إلى أن فقهاء المسلمين أجمع يرون صحّة نظيره في العقد الدائم وذلك إذا نوى الزوجان عند العقد إيقاع الطلاق بعد سنة مثلاً فإن هذا العقد وإن كان دائماً صورة لكنه مؤقت حقيقة ومع ذلك يراه الفقهاء صحيحاً . نعم الفرق بين هذا العقد الدائم والمؤقت هو أنّ هذا العقد ظاهره دائم وباطنه مؤقت ، وعقد المتعة ظاهره وباطنه مؤقت .

فمن يرى صحة أمثال هذا العقد الدائم ـ والذي يحكم بصحته جميع فقهاء المسلمين ـ كيف يفسح لنفسه المجال للتخوّف من تجويز المتعة !

وبهذا اتّضحت حقيقة عقد المتعة ، بقي الكلام في أدلّة مشروعيتها ، ومن المناسب أن نطرح هذا البحث ضمن مرحلتين ، هما :

مشروعية نكاح المتعة .

عدم نسخ المتعة في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

أما أدلّة مشروعيتها ، فمن أوضح الأدلّة عليها قوله تعالى :

  فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [42]

ومن الواضح أنّ هذه الآية واردة في النكاح المؤقّت ; فإنها :

أولاً: ان الآية استعملت لفظ : «اسْتَمْتَعْتُمْ» ، وهذا اللفظ ظاهر في نكاح المتعة ، ولو اُريد العقد الدائم منه للزم نصب قرينة عليه ، ولا قرينة في الآية .

ثانياً: ان الآية استعملت لفظ : «أُجُورَهُنَّ» ، وهو قرينة واضحة على إرادة نكاح المتعة ، لإنها لو أرادت العقد الدائم لعبّرت بـ «مهورهنّ» أو بـ «صداقهنّ» ونحو ذلك من التعابير الدالة على المهر .

ثالثاً: صرح المفسرون ـ سنة وشيعة ـ بأن الآية نزلت في نكاح المتعة . فنقل جلال الدين السيوطي في تفسيره المعروف «الدر المنثور» عن ابن جرير والسدّي أنّ الآية نزلت في نكاح المتعة .

كما روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن السدّي ومجاهد وابن عباس أنّ الآية في النكاح المؤقت .

رابعاً: هذا الأمر مما سلّم به أصحاب الصحاح والمسانيد وأصحاب الجوامع الحديثية ، وعلى سبيل المثال ننقل إليك ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا :

«خرج علينا منادي رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أذن لكم ان تستمتعوا ، يعني متعة النساء»[43]

والروايات المسندة والصحيحة لا يَسَعها المقام ، وعليه فأصل تشريع المتعة في صدر الإسلام وفي عصر النبيّ(صلى الله عليه وآله) ثابت لدى العلماء والمفسرين[44]

بقي الكلام في أنّ آية المتعة هل هي منسوخة أم لا  ؟ حيث أنك قلّما تجد من ينكر مشروعية المتعة في زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله) إنما الكلام في نسخ الآية وعدمه .

الروايات الشريفة والتاريخ يثبت أنّ المتعة كانت معمولاً بها في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وبعده إلى زمان خلافة الخليفة الثاني ، وقد منعها الخليفة الثاني ونهى عنها لمصالح خاصة; فروى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال :

«كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : إنّ ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما»[45]

وقال السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» :

أخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال : لا . وقال عليّ: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ»[46]

وروى القوشجي في شرح التجريد عن عمر أنّه قال على المنبر :

«أيّها الناس ، ثلاث كنّ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأنا أنهى عنهنّ ، واُحرّمهنّ ، واُعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خير العمل»[47]

وتنبغي الإشارة إلى أنّ الروايات الواردة في المقام أكثر مما يسَعها المقام .

كما ينبغي التنبيه على أنّ المتعة من أقسام النكاح ، اذ ينقسم النكاح إلى دائم ومؤقت ، والمرأة التي يُعقد عليها بعقد المتعة هي زوجة للإنسان ، وكذا فإن الرجل يكون زوجاً لها ، وعليه فالآيات الواردة في الزواج تكون شاملة له أيضاً ، فإذا قال القرآن :

 وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [48]

فالمرأة التي دخلت في زوجيّة الرجل بعقد مؤقت ـ ضمن الشرائط السالفة ـ داخلة في قوله تعالى : ) إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ( وليست خارجة عن نطاق الآية الشريفة ، بمعنى أنّ هذه المرأة ـ التي دخلت في حبالة الرجل بعقد المتعة ـ زوجة لهذا الرجل ويشملها عنوان ) أَزْواجِهِمْ ( الوارد في الآية .

واذا كانت الآيات المذكورة تجيز العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لطائفتين فحسب ، هما : الزوجات والإماء ، فالمرأة المتمتّع بها تكون داخلة في القسم الأول وهو الزوجات .

والعجب من قول البعض حيث قال : ان الآيات من سورة «المؤمنون» ناسخة لآية المتعة الواردة في سورة النساء ، مع وضوح أنّ نزول إلآية الناسخة يجب أن يكون بعد نزول المنسوخة ، مع أنّ المقام ليس كذلك ; فآية المتعة متأخرة نزولاً عن الآيات في سورة «المؤمنون» ، فسورة «المؤمنون» مكّية (أي أنها نزلت على النبيّ(صلى الله عليه وآله) في مكة قبل هجرته للمدينة) ، وسورة النساء مدنيّة (أي أنّها نزلت على النبيّ(صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة بعد هجرته إليها) ، وآية المتعة وردت فيها . فكيف يمكن أن تكون الآية المكّية ناسخة لآية مدنية ؟!

والدليل الآخر على عدم نسخ آية المتعة هو الروايات الكثيرة المصرحة بعدم نسخها في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، نظير الرواية التي نقلناها عن السيوطي في تفسيره «الدر المنثور»[49] ، وتقدم توضيحها .

وفي ختام المطاف نشير إلى أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والذين هم الهداة للاُمة والقرين الذي لا ينفكّ للقرآن ـ بمقتضى حديث الثقلين ـ صرّحوا بعدم نسخ زواج المتعة[50]

ويمكن تأييد حلّية النكاح المؤقت مع رعاية شرائطه المذكورة بأنّ الشريعة الإسلامية المقدّسة قادرة على حلّ المشاكل والمعضلات التي تواجه المجتمعات البشرية في جميع العصور ، فانّ أحد الأساليب لنجاة الشباب من الانجراف في سيول الانحراف والضلال هو النكاح المذكور بشرائطه السالفة .


 

السؤال التاسع عشر

لماذا يسجد الشيعة على التربة ؟

يعتقد طائفة من الناس أنّ السجود على التربة أو السجود على تربة الشهداء هو نوع عبادة للتربة وهو من الشرك بالله العظيم .

الجواب :

للإجابة على هذا السؤال لابدّ من التنبيه على وجود فرق واضح بين عبارتي «السجود لله» و «السجود على الأرض» ، وأساس الشبهة في السؤال المذكور هو الخلط بين العبارتين وعدم الفرق بينهما .

من المتسالم عليه أنّ مفاد عبارة «السجود لله» هو أن يكون السجود لله ، مع أنّ مفاد جملة «السجود على الأرض» أنّ السجود يكون على الأرض . وبعبارة اُخرى أننا في سجودنا على الأرض نسجد لله سبحانه وتعالى . وأساساً فإن سجود المسلمين أجمع لابدّ ان يقع على شيء ما ، والحال أنّ سجودهم لله سبحانه ، وجميع الحجاج يسجدون على أرض وأحجار المسجد الحرام مع أنّهم لا يريدون بسجودهم أحداً غير الله .

وبهذا البيان اتضح أنّ السجود على الأرض والنبات ليس عبادة لها ، وإنما هو خضوع وعبادة لله بالخضوع له إلى حد السجود على التراب . كما اتضح أنّ السجود على التربة غير السجود للتربة . فمن جانب نجد القرآن يقول :

 وَ لِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الاَْرْضِ [51]

ومن جانب آخر يقول نبينا (صلى الله عليه وآله) :

«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»[52]

وعليه فالسجود لله لا ينافي السجود على الأرض أو على التربة ، وإنما بينهما تمام الانسجام والملاءمة ; فالسجود على التراب والنبات رمز لشدة الخضوع والتذلل لله الواحد القهار .

ولأجل ايضاح ما تقول به الشيعة في المقام لا بأس بالإشارة إلى مقطع من كلام إمامنا ورئيس مذهبنا الصادق المصدّق جعفر بن محمد(عليه السلام) :

قال هشام بن الحكم لأبي عبد الله(عليه السلام) : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز ! قال : السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لُبس . فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك ؟ قال : لأن السجود خضوع لله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها ، والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّوجلّ»[53]

فهذا الكلام النوراني واضح في أنّ علة السجود على التراب هو انسجامه مع شدة الخضوع لله سبحانه وتعالى .

*      *      *      *      *

وهنا سؤال آخر يُطرح في المقام وهو : لماذا يرى الشيعة أنفسهم مقيّدون بالسجود على التراب والنباتات ولا يسجدون على كلّ شيء ؟

وفي الجواب عليه نقول:كما أنّ أصل العبادة يجب أن تصل إلينا من الشارع المقدس ، فكذا كيفيتها وشرائطها لابدّ أن تصل إلينا منه ; من قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو فعله أو تقريره ; فان النبيّ اُسوة للناس أجمع بصريح القرآن الكريم .

وإليك بعض المختارات من الأحاديث الإسلاميّة التي تبين سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والتي هي أجمع تبين أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يسجد على التراب أو على ما أنبتت الأرض كالحصير ، على النحو الذي يعتقد به الشيعة :

1ـ  روى جملة من المحدثين في صحاحهم ومسانيدهم قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) الذي يبين فيه للناس أنّ الأرض مسجد له (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله :

«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»[54]

فكلمة «جعلت» في الحديث للتشريع والتقنين ، فتفيد أنها حكم إلهي للمسلمين ، فيثبت به مشروعية السجود على التراب والأحجار والصخور ومطلق وجه الأرض .

2ـ  دلت مجموعة من الروايات على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يأمر المسلمين بالسجود على التراب كما روت لنا اُم سلمة عنه (صلى الله عليه وآله) :

«ترِّب وجهك لله تعالى»[55]

فانّ صيغة «ترّب» تفيد أمرين ; أحدهما : أنّ الإنسان عند سجوده يجب عليه أن يضع جبهته على التراب . والثاني : أنّ هذا أمر يجب العمل به ; لأنّ صيغة «ترّب» فعل أمر من مادة التراب ، وصيغة الأمر تدل على الوجوب.

3 ـ  فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسيرته  دليل  واضح للمسلمين،  فروى

وائل بن حجر :

«رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا سجد وضع جبهته وأنفه على الأرض»[56]

وروى أنس بن مالك وابن عبّاس وبعض نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) كاُم سلمة وعائشة وعدد من المحدثين :

«كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يصلى على الخمرة[57]»[58]

وروي عن الصحابي أبي سعيد الخدري :

«أنّه دخل على النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ قال : ـ فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه»[59]

4ـ  أقوال وأفعال الصحابة كاشف آخر عن سنة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فيقول جابر بن عبد الله الأنصاري :

«كنت أصلّي الظهر مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفى أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر»[60]

قال البيهقي :

«ولو جاز السجود على ثوب متّصل به لكان ذلك أسهل من

تبريد الحصا في الكف ووضعها للسجود عليها وبالله التوفيق»[61]

وروى ابن سعد (المتوفى سنة 209 هـ ق ) في كتابه المعروف «الطبقات» :

«كان مسروق إذا خرج يخرج بلبنة يسجد عليها في السفينة»[62]

الجدير بالذكر أنّ مسروق بن الأجدع من التابعين ومن أصحاب ابن مسعود ، وقد عده صاحب الطبقات من الطبقة الاُولى من أهل الكوفة ، وفي عداد من روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي(عليه السلام) وعبد الله بن مسعود .

فهذا الكلام يوضح لنا وهن وبطلان قول من يدعي أنّ السجود على التربة شرك وبدعة ، حيث انه يثبت لنا أنّ المسلمين في العصر الأول كانوا يفعلون ذلك[63]

ويقول نافع :

«إنّ ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض»[64]

كما يقول رزين مولى ابن عبّاس :

«كتب إلي علي بن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) أن إبعث اليّ بلوح من أحجار المروة أسجد عليه»[65]

5ـ  روى المحدثون الإسلاميون روايات تدل على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) نهى عن وضع طرف العمامة بين الجبهة والأرض عند السجود . يقول صالح بن حيوان السبائي :

«ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته ، فحسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبهته»[66]

وروى عياض بن عبد الله القرشي :

«رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا يسجد على كور عمامته ، فأومأ بيده : ارفع عمامتك ، واومأ إلى جبهته»[67]

فهذه الروايات تدلّ بوضوح على أنّ السجود على الأرض كان أمراً مسلّماً بين المسلمين في عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) بحيث لو وضع أحد المسلمين طرف ثوبه أو عمامته على الأرض ليسجد عليه لنهاه النبيّ(صلى الله عليه وآله) .

صرّح به أئمّتنا المعصومون الذين هم قرين القرآن على ما صرّح به حديث الثقلين ، ومن جانب آخر فهم أهل بيت نبيّنا الكريم(صلى الله عليه وآله) ، فعن إمامنا الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) :

«السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنّة»[68]

وقال (عليه السلام) أيضاً :

«السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لُبس»[69]

النتيجة :

تبيّن بوضوح من خلال عرضنا للأحاديث والأدلّة المختلفة أنّ السجود على الأرض وما أنبتت ـ إلاّ ما اُكل أو لبس ـ لا يختصّ بروايات أهل البيت (عليهم السلام) ، بل هو ثابت في سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وسيرة الصحابة والتابعين .

أضف إلى ذلك كلّه أنّ السجود على الأرض وما أنبتت ـ دون المأكول والملبوس ـ مما لا ريب ولا خلاف في جوازه ، وأما غيره ففيه الخلاف والترديد ، والاحتياط ـ الذي هو سبيل النجاة ـ يقتضي الاكتفاء بها وعدم السجود على غيرها كما هو واضح .

وفي الختام نشير إلى أنّ هذه مسألة فقهية ، والخلاف فيها ـ كغيرها من الفروع ـ بين فقهاء الإسلام طبيعي ، فلا ينبغي أن يكون مثاراً للتوتر بين المسلمين ، فنحن نجد الخلاف في المسائل الفقهية الكثيرة بين الفرق الأربعة لأهل السنة أيضاً ، فمثلاً يرى المالكية استحباب وضع الأنف عند السجود على ما يسجد عليه ، ويرى الحنابلة وجوب ذلك ، بل جعلوا تركه موجبا لبطلان السجود[70]


 

السؤال العشرون

لماذا يتبرّك الشيعة بأبواب وجدران المشاهد عند زيارتهم لها ؟

الجواب :

التبرك بآثار الأولياء ليس أمراً جديداً حصل اليوم عند فرقة إسلامية ، بل له جذور قديمة في التاريخ ترجع إلى حياة نبينا (صلى الله عليه وآله) وأصحابه الكرام ، بل إلى الأنبياء السابقين أيضاً . وإليك أدلّة مشروعية التبرك بآثار أولياء الله في نظر الكتاب والسنة :

نقرأ في الذكر الحكيم في قصة يوسف(عليه السلام) أنّه عندما عرّف نفسه الشريفة لاخوته واستغفر لهم قال لهم :

 اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ [71]

ثمّ يقول تعالى :

فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا [72]

فهذا الكلام القرآني الواضح صريح في أنّ نبي الله يعقوب(عليه السلام) تبرّك بقميص ولده نبي الله يوسف(عليه السلام) ، وأنّ القميص كان سببا لرجوع بصر يعقوب(عليه السلام) . فهل يمكن القول بأن فعل هذين النبيين كان خارجاً عن اطار التوحيد ؟ !

لا شك ولا ريب أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يطوف بالبيت الحرام ، ويستلم الحجر ، ويقبّله . فروى البخاري في صحيحه عن الزبير بن عربي قال سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر فقال :

«رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستلمه ويقبله»[73]

فاذا كان لمس الحجر وتقبيله شرك لما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يدعو الناس للتوحيد !

نجد في مطاوي الروايات الكثيرة والتي رواها أصحاب الصحاح والمسانيد أنّ الصحابة كانوا يتبركون بآثار النبيّ(صلى الله عليه وآله) ; من لباسه ، وفضالة ماء وضوئه ، وإنائه ، و... فعند مراجعة هذه الأخبار لا يبقى مجال للشك في حسنه ومشروعيته .

وبما أنّ الكتاب لا يسع لنقل جميع هذه الروايات واستقصائها ، ننقل إليك نماذج منها ، هي :

أـ روى البخاري في صحيحه رواية طويلة في بيان بعض خصوصيات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأصحابه ، جاء فيها :

«وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه»[74]

ب ـ روى مسلم في صحيحه عن عائشة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله) :

«إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم»[75]

ج ـ وروى الترمذي في سننه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت :

«دخل علَيَّ رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) فشربَ من في قربة معلّقة قائماً ، فقمتُ إلى فيها فقطعتُه»[76]

وقال محمد طاهر المكي :

«رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال شارح الحديث في كتاب رياض الصالحين : وقطع اُم ثابت لفم القربة لتحفظ موضعاً أصابه فم رسول الله(صلى الله عليه وآله) للتبرّك به والاستشفاء ، فكان الصحابة يحاولون الشرب من الموضع الذي شرب منه رسول الله(صلى الله عليه وآله)»[77]

دـ  روى مسلم في صحيحه عن انس بن مالك قال :

«كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا صلّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلاّ غمس يده فيها ، فربما جاؤوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها»[78]

وبهذا اتّضحت أدلّة جواز التبرّك بآثار الصالحين والأولياء ، وعُلم بذلك أنّ الذين يتّهمون الشيعة بالشرك ـ بسبب تبرّكهم بآثار الأولياء ـ لم يفهموا معنى التوحيد والشرك فهماً صحيحاً ، فالمعنى الصحيح للشرك هو أن يُعتقد اُلوهية موجود وعبادته إلى جانب عبادة الله سبحانه وتعالى ، أو نسبة الأفعال الإلهية لذلك الموجود بنحو يُنسب أصل الوجود أو أثره ـ بنحو الاستقلال عن الله سبحانه وتعالى ـ إلى هذا الموجود . مع أنّ الشيعة يعتقدون أنّ أولياء الله وآثارهم مخلوقون له سبحانه ، فهم في أصل وجودهم وفي آثارهم محتاجون للباري سبحانه وتعالى ولا غنى لهم عنه .

وإنما يتبرّك الشيعة بآثار الأولياء احتراماً لهم ; باعتبارهم القدوة الصالحة ، ولأجل إبراز محبتهم لهم . فإذا قبّل الشيعة ضريح رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو ضريح أحد من أهل بيته عند زيارته ، أو طافوا حوله وتمسّحوا به ، فهو بسبب حبّهم للنبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ، وهذا أمر عاطفي في وجود الإنسان ، ولهذا يقول الشاعر :

أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى                اُقبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديارِ شَغَفنَ قلبي        ولكن حبُّ من سَكنَ الديارا


 

السؤال الحادي والعشرون

هل الدين مفصول عن السياسة في نظر الإسلام ؟

الجواب :

من المناسب واللائق ان نبيّن معنى السياسة أولاً وعلى ضوئها تتّضح الرابطة بين الدين والسياسة ، وعليه فنقول : للسياسة هنا معنيان أو احتمالان ، هما :

أن يكون المراد منها هو استعمال الحِيَل والخُدَع للوصول إلى الهدف ، وبعبارة اُخرى : الغاية تبرر الوسيلة .

ومن الواضح جداً أنّ السياسة بهذا المعنى ليست سياسة واقعية ، بل هي مجرد تمويه وتضليل وخداع الآخرين ، وهي بهذا المعنى لا تنسجم مع الدين أصلاً .

2ـ  أن يكون المراد منها هو تدبير الاُمور والشؤون المختلفة في حياة المجتمع ، وذلك باتّباع الاُصول الإسلامية الصحيحة على مختلف الأصعدة والمستويات .

والسياسة بهذا المعنى تعني إدارة المسلمين والاهتمام بشؤونهم المختلفة على ضوء القرآن والسنّة الشريفة ، وهذه السياسة جزء لا ينفكّ عن الدين .

وإليك بعض أدلّة انسجام الدين مع السياسة ، وضرورة إقامة حكومة إسلاميّة :

فمن أوضح الأدلّة على ما ذكرناه هو سيرة نبيّنا الكريم(صلى الله عليه وآله) في أيام البعثة الشريفة ، فإن المُراجع لحياته الميمونة وكلماته الوضّاءة يجد بوضوح أنّه(صلى الله عليه وآله)كان ـ منذ أوائل البعثة ـ بصدد إنشاء وتأسيس حكومة إسلاميّة مقتدرة وقويّة تعتمد على أساس الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، ولها القدرة على تنفيذ أهداف الإسلام العزيز .

ومن المناسب أن نذكر هنا بعض الشواهد التاريخيّة على عزم النبيّ على ذلك :

النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو المؤسّس للحكومة الإسلاميّة

1ـ  عندما جاء الأمر الإلهي بإعلان الدعوة للإسلام حاول النبيّ(صلى الله عليه وآله) بشتى الوسائل تأسيس نواة الهداية ومواجهة الباطل وحاول جمع المسلمين فيها ، وفي هذا المجال التقى بالجماعات الوافدة من قريب وبعيد لزيارة وحج بيت الله الحرام ودعاهم للإسلام ، فكان ممن التقى بهم في خلال ذلك جماعتين من أهل المدينة التقى بهم في منطقة يقال لها : «العقبة» ، فاتفقوا وتعاهدوا على ان يدعوه إلى مدينتهم ويدافعوا عنه ويحموه[79] . وبهذا كانت أول نواة زرعها وأول خطوات خطاها رسول الله(صلى الله عليه وآله)لتأسيس حكومة إسلاميّة .

2ـ  أسّس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد هجرته إلى المدينة المنورة جيشاً قوياً ، ذلك الجيش الذي شارك أثناء فترة تبليغ الرسالة في اثنين وثمانين معركة فحاز على النصر في الكثير منها ، وبذلك رفع المانع عن تشكيل الحكومة الإسلاميّة .

3ـ  بعد قيام الدولة الإسلاميّة في المدينة وتشييد أركانها واستقرارها ، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببعث السفراء والرسائل والكتب إلى ملوك ورؤساء الدول في عصره ، وعقد مع كثير من رؤساء القبائل العهود والاتّفاقيّات الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة .

وقد ذكر لنا التاريخ خصوصيات رسائل النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى بعض الاُمراء ، كرسالته إلى «كسرى» ملك الفرس ، و«قيصر» ملك الروم ، و«مقوقس» أمير مصر ، و «النجاشي» أمير الحبشة . وقد جمع بعض المحققين هذه الرسائل في كتاب مستقلّ .

4ـ  لتقوية أركان الدولة والوصول إلى أهداف الاسلام الرفيعة عيّن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ممثّلين له واُمراء لكثير من القبائل والمدن ، ونحن ننقل إليك مثالاً من ذلك :

عيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله)رفاعة بن قيس سفيراً وممثلاً عنه في قبيلته ، وكتب إلى قومه كتاباً فيه :

«بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد ، إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم ، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله ، فمن أقبل ففي حزب الله ورسوله ، ومن أدبر فله أمان شهرين»[80]

فمع أخذ هذه الأفعال وأمثالها بنظر الاعتبار لا يبقى شك في أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) منذ أوائل البعثة كان بصدد تشكيل حكومة قوية كي ينشر تحت ظلّها الإسلام في أرجاء العالم وليدخل الإسلام في المجالات المختلفة من حياة البشر .

فأفعال النبيّ (صلى الله عليه وآله) المذكورة من تعيين الاُمراء والسفراء والممثلين ، وعقد العهود والمواثيق مع القبائل ، وتأسيس جيش قوي ، وتحذير الملوك والاُمراء في الممالك المختلفة ومكاتبتهم ، هل هي إلاّ السياسة بمعناها الثاني ; أعني تدبير اُمور المسلمين وإدارة المجتمع الإسلامي!!

كما أنّ سيرة الخلفاء الراشدين وخصوصاً أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ مع المسلمين سنّة وشيعة أيام خلافته ـ تشهد للتوفيق بين الدين والسياسة .

مع أنّ علماء المسلمين من كلا الفريقين أقاموا الأدلّة من الكتاب والسنّة على لزوم إدارة اُمور المسلمين وحكومتهم ، ونحن ننقل إليك بعض الأدلّة التي أقاموها على ذلك على سبيل المثال :

قال أبو الحسن الماوردي في كتابه «الأحكام السلطانيّة» :

«الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة، في حراسة الدين، وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الاُمّة واجب بالإجماع»[81]

وهذا العالم المسلم ـ الذي هو أحد علماء أهل السنة المشهورين ـ يتمسّك في مقام إثبات هذا المعنى بدليلين هما :

1ـ  الدليل العقلي .

2ـ  الدليل النقلي .

ويقول في مقام بيان الدليل العقلي :

«ذهب قوم إلى أنّ وجوبها ثابت بالعقل ، لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ، ويفصل بينهم عند التنازع والتخاصم، ولولا ذلك لكانوا فوضى مهملين ، وهمجاً مضاعين»[82]

وذكر في مقام بيان الدليل العقلي :

«ولكن جاء الشارع بتفويض الأُمور إلى وليّه في الدين ، قال الله عزّوجلّ: )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الاَْمْرِ ( ففرض علينا طاعة اُولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمرون علينا»[83]

وروى الشيخ الصدوق عن الفضل بن شاذان النيشابوري رواية طويلة منسوبة للإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) جاء في بعض مقاطعها بيان أهمّيّة تشكيل الحكومة لإدارة شؤون المسلمين ، وإليك بعض فقراتها :

«أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس; لما لابدّ لهم من أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق لما يعلم أنه لابد لهم منه ولا قوام لهم إلاّ به ، فيقاتلون به عدوّهم ، ويقسمون به فيئهم ، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم»[84]

وذكر جميع الروايات الدالة على ذلك ، وأقوال الفقهاء في المسألة ، وتحليلها ليس من شأن هذا الكتاب ; فإنّه بحاجة إلى تفصيل لا يناسب وضع كتابنا هذا ، بل هو بحاجة إلى كتاب آخر مفصّل .

كما أنّه يتبين من خلال المراجعة الدقيقة والشاملة لأبواب الفقه الإسلامي أنّ جملة كثيرة من القوانين والأحكام الشرعيّة لا يمكن تطبيقها في المجتمع إلاّ من خلال إقامة حكومة قويّة ; فالإسلام أمرنا بالجهاد ، والدفاع ، والوقوف بوجه الظالم ، والدفاع عن المظلوم ، وإقامة الحدود والتعزيرات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ضمن نطاق واسع ـ ، وإجراء وتطبيق القوانين الماليّة والاقتصادية ، والاهتمام بوحدة المجتمع الإسلامي ، فهذه المذكورات لا يمكن تطبيقها والعمل بها من دون وجود حكومة قوية ; فالدفاع عن الإسلام والشريعة المقدّسة بحاجة إلى جيش عسكري مدرّب منظّم ، ولا يمكن تشكيل هكذا جيش إلاّ من خلال حكومة قوية تعتمد على اُسس الإسلام ومبانيه الرصينة .

وكذا إقامة الحدود والتعزيرات من أجل الحفاظ على الفرائض والواجبات ، والمنع عن المعاصي والمحرّمات ، والانتصار للمظلوم من الظالم ، وسائر ما ذكرناه يتوقّف على وجود حكومة قويّة ونظام منسجم يسود المجتمع ، وإلاّ فإنّه يلزم الاختلال والهرج والمرج في المجتمع .

وعلى الرغم من عدم انحصار أدلّة إقامة الحكومة الإسلاميّة فيما ذكرناه ، لكن تبيّن بوضوح من خلال ما ذكرناه من الأدلّة عدم انفصال الدين عن السياسة من جانب ، وأنّ إقامة حكومة تعتمد الإسلام أساساً لها أمر ضروري لا مفرّ منه ، وواجب شرعي على كلّ المسلمين في أنحاء العالم .


 

السؤال الثاني والعشرون

لماذا يقول الشيعة إنّ «الحسن» و «الحسين» أولاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟

الجواب :

يتضح من خلال مراجعة الروايات وكتب التفسير والتأريخ أنّ نسبة الحسنين(عليهما السلام) لجدّهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليس من منفردات الشيعة ، بل هي مما يقول به أغلب المحقّقين الإسلاميين ، بل يمكن القول بأنّها من موارد الاتّفاق بينهم .

والآن نستعرض لك بعض الأدلّة على المسألة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وأقوال العلماء والمفسرين . وينبغي ان يعلم أنّ القرآن الكريم يعدّ مَن كان من صلب الإنسان أو من ذراريه أولاداً له ، سواء كان ذكراً أو اُنثى . علماً أنّه توجد شواهد كثيرة من الكتاب والسنّة على ما نقول ، وإليك بعضها :

عدّ القرآن الكريم نبيّ الله عيسى (عليه السلام) من أولاد إبراهيم الخليل(عليه السلام) مع أنّه ابن مريم العذراء ، وهو ينتسب لإبراهيم من خلال اُمّه ، وذلك في الآية التالية :

وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحًا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )84) وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ [85]

حيث يرى العلماء أنّ الآية الشريفة دليل على أنّ الحسنين(عليهما السلام) أولاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) . وإليك ما قاله جلال الدين السيوطي فروى في ذيل الآية الشريفة عن ابن أبي حاتم عن حرب بن أبي الأسود ، قال :

«أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذريّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، تجده في كتاب الله ؟ ! وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده ! قال : ألست تقرأ سورة الأنعام )وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ( حتى بلغ )وَ يَحْيى وَ عِيسى( قال : بلى . قال : أليس عيسى من ذريّة إبراهيم وليس له أبٌ ؟ قال : صدقت»[86] .

فالآية الشريفة وكلمات المفسرين تدلّ على أنّ تمام العلماء يقولون بأن الحسن والحسين(عليهما السلام) أولاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وذريته .

ومن الآيات الدالّة بوضوح على صحة هذه النسبة هي آية المباهلة ، وإليك نصّ الآية وكلام المفسرين في تفسير الآية :

 فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [87]

يقول المفسّرون إن الآية المذكورة ـ والمعروفة بآية المباهلة ـ هي في واقعة مباهلة النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع عظماء نصارى نجران ، فلمّا لم يذعنوا للحقّ ، نزلت الآية المذكورة تأمر النبيّ بمباهلتهم مع عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، فلما توجّه النبيّ وأهل بيته للمباهلة خاف نصارى نجران على أنفسهم من نزول العذاب والغضب الإلهي ، فطلبوا من النبيّ ترك المباهلة والدعاء عليهم ، فاستجاب النبيّ لهم وترك المباهلة ، وانتهت القضيّة بعقد عهد وميثاق .

ولاتفاق المسلمين من كلا الفريقين على أنّ الذين خرجوا للمباهلة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) هم أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ، فمن الواضح أنّ المراد من ) أَبْناءَنا ( هو الحسن والحسين ، وبهذا يتّضح أنّ القرآن الكريم عدّ الحسنين أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

هذا وقد ذكر المفسّرون في تفسيرهم للآية المذكورة روايات كثيرة تدلّ على صحّة ما استفدناه وفهمناه من الآية وعلى سبيل المثال نذكر بعضها فيما يلي :

أـ قال السيوطي: «أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبيّ (صلى الله عليه وآله)... قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعليّ، وأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة»[88]

فالمقصود من ) أَنْفُسَنا ( هو عليّ بن أبي طالب ، والمراد من ) أَبْناءَنا ( هو الحسن والحسين ، والمراد من ) نِساءَنا ( هو فاطمة .

ب ـ قال فخر الدين الرازي بعد ايراده الرواية في تفسيره الكبير : «واعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث»[89]

ثم قال :

«هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) كانا ابني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين فوجب أن يكونا ابنيه»[90]

ج ـ  وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره أيضاً :

«وفيه ]يعني قوله : أَبْناءَنا[ دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء»[91]

أقوال رسول الله(صلى الله عليه وآله) خير شاهد على أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) ولداه ، وإليك اُنموذجان من كلماته النورانيّة :

أـ  قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الحسنين(عليهما السلام) :

«عن ابن مسعود قال رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد الحسن والحسين ويقول : هذان ابناي فمن أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني»[92]

ب ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الحسن والحسين(عليهما السلام) أيضاً :

«إنّ ابنيّ هذَين ريحانَتيَّ من الدنيا»[93]


 

السؤال الثالث والعشرون

لماذا تعتقد الشيعة أنّ الخلافة بالنصّ ؟

الجواب :

الدين الإسلامي الحنيف خاتم الأديان وهو دين خالد ولتمام البشرية ، ومن الواضح أنّ المتولّي لقيادة الاُمّة الإسلاميّة في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو نفس النبيّ ، وبعد رحيله إلى الملأ الأعلى يجب أن تلقى هذه المسؤوليّة الخطيرة في عهدة خير الناس وأفضل الاُمّة .

السؤال المطروح هو : هل مقام الخلافة وقيادة الاُمة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) بأمر إلهيٍّ وتصريح نبويٍّ ، أم أنها بالانتخابات ؟ تعتقد الشيعة أنّه منصب إلهي يحتاج إلى نصّ وتعيين من الله سبحانه بواسطة نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله) ، ويعتقد أهل السنّة أنّها بالانتخاب واختيار الاُمّة فرداً يقودها .

دلالة الشرائط الاجتماعيّة على أنّ الخلافة بالنصّ

ذكر علماء الشيعة في كتبهم الكلاميّة والعقائديّة أدلّة كثيرة على لزوم كون الخلافة بالنصّ ، لكن الذي يناسب المقام بيانه هو تحليل الشرائط الحاكمة على عصر الرسالة ، وبه يتضح صحة ما يعتقده الشيعة .

السياسة الداخليّة والخارجيّة للإسلام في ذلك العصر تقتضي وتفرض تعيين الخليفة بنصّ إلهي عن طريق الوحي إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) ; وذلك أنّ مثلث الخطر ـ وهو الخطر الناشئ من امبراطورية الروم ، ومن مملكة الفرس ، ومن المنافقين ـ كان محيطاً بالاُمّة الإسلاميّة ويهدّدها بالفشل والزوال .

كما أنّ مصلحة الاُمّة الإسلاميّة كانت تقتضي وتوجب ان يعيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله)قائداً سياسيّاً للاُمّة ; كي تظهر الاُمّة متّحدة أمام الأعداء والأجانب ، فلا يبقى مجال لنفوذ العدو للتسلّط على زمام الاُمور وإشاعة الخلافات الداخليّة والانشقاقات .

توضيح المطلب

الامبراطوريّة الروميّة ـ والتي هي أحد أضلاع مثلث الخطر المحدق بالمسلمين ـ تقع في شمال شبه الجزيرة العربيّة ، وقد شغل خطرها تفكير النبيّ(صلى الله عليه وآله) طيلة أيامه إلى آخر لحظات حياته الشريفة .

كانت أول مواجهة بين المسلمين وبين الجيش الصليبي القادم من الروم في السنة الثامنة من الهجرة في فلسطين ، وما انتهت المعركة إلاّ بشهادة ثلاث من قادة المسلمين ; هم : جعفر الطيار ، و زيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ، وبالتالي فشل المسلمين في تلك الحرب .

إنّ هزيمة المسلمين أمام جيش الكفر الصليبي أحدث جرأة عند الجيش الرومي ، مما بعث الخوف في نفوس المسلمين من هجومه على بلادهم في أي لحظة . ومن هنا تحرّك النبيّ(صلى الله عليه وآله) بجيش ضخم باتجاه الشام في السنة التاسعة من الهجرة كي يقود المواجهة العسكرية المحتملة بنفسه ، وبهذا السفر الشاقّ أعاد المسلمون حيثيتهم السابقة ، وجددوا قدرتهم السياسيّة .

لكن النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يقتنع بهذا النصر النسبي ، فأرسل جيشاً إلى الشام بقيادة «اُسامة» ليكون قريباً من الميدان فيما لو حصل شيء يحذر منه .

وأما الضلع الثاني لمثلث الخطر وهو مملكة إيران ، فانّ الملك الإيراني آنذاك وهو «خسروبرويز» كان قد غضب على النبيّ(صلى الله عليه وآله) بسبب الرسالة التي وجهها إليه النبيّ ، بل لشدة غضبه مزّق الرسالة وأهان رسوله وطرده ، وكتب إلى عامله على اليمن ـ والتي كانت مستعمرة للفرس مدة طويلة ـ بأن يقبض على النبيّ فان امتنع قتله .

وعلى الرغم من موت «خسروبرويز» في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، لكن استقلال اليمن لم يُمحَ من طموحات ملوك الفرس ، فلم تكن تسمح لهم أنَفَتُهم وجَبروتهم بتحمّل وجود قدرة كقدرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى جانبهم .

وأما الضلع الثالث لمثلث الخطر وهو خطر المنافقين الموجودين بين المسلمين أنفسهم فهو الطابور الخامس الذي يعمل دوماً في بثّ الفتنة بين المسلمين ، والإفساد ، وأعمال الشغب ، حتى أنّهم قصدوا اغتيال النبيّ(صلى الله عليه وآله) في طريقه من تبوك إلى المدينة ، وكان جملة منهم يقولون في أنفسهم : إن الإسلام سينتهي بموت النبيّ ، وبهذا يرتاح الجميع[94]

فهل من المعقول أن يترك النبيّ(صلى الله عليه وآله) الاُمّة الإسلاميّة الناشئة من دون خليفة مع وجود هكذا أعداء أقوياء يتربّصون بالإسلام والمسلمين الدوائر !!

بملاحظة الظروف الاجتماعيّة الحاكمة على الاُمّة الإسلاميّة آنذاك كان تعيين الخليفة أمراً حتمياً على النبيّ لئلاّ يحدث الخلاف وتنشأ الفرقة بعده ، وبهذا يؤسّس للاُمة ساتراً دفاعياً حصيناً كي يحفظ وحدتها ، ويسد أبواب الفتن المحتملة بعد رحيله(صلى الله عليه وآله) بأن تقول كلّ فرقة وجماعة : «لابدّ ان يكون الأمير والخليفة منّا» ، فهذا كله لا يتسنّى للنبيّ(صلى الله عليه وآله) إلاّ بتعيين الخليفة والقائد للاُمة بعده رسمياً .

فملاحظة ما ذكرناه من الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة الحاكمة على الاُمّة الإسلاميّة يؤيّد صحّة وقوام نظريّة أنّ الخلافة بالتعيين ونصّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) .

النصوص النبويّة وما تدلّ عليه

بملاحظة تلك الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة الحاكمة على المجتمع الإسلامي ، ورعاية لجهات اُخرى أيضاً حاول النبيّ(صلى الله عليه وآله) من أول أيام البعثة إلى آخر ساعات حياته الشريفة أن يلقي مفهوم الخلافة ويرسّخه في أذهان المسلمين ، فصرّح بذلك في أوائل أيام البعثة عند إعلان نبوّته لأهله وعشيرته ، وأعلن بها في آخر أيامه عند رجوعه من حجة الوداع في غدير خم ، وبين هذين الموقفين في طيلة أيام حياته في المناسبات المختلفة ، وقد ذكرنا ـ في جوابنا على السؤال الثاني ـ ثلاث نماذج من هذه الأحاديث المعتمدة والتي رواها علماء المسلمين ومحدّثوهم مع ذكر أسانيدها ومصادرها .

فبملاحظة الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة السائدة على المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام من جانب ، وملاحظة النصوص النبوية المختلفة في تعيين ونصب القائد والخليفة له(صلى الله عليه وآله) ، يظهر بوضوح أنّ النصّ على الخليفة أمر لا مفرّ منه ، وأنّ الخليفة منصوص عليه من النبيّ(صلى الله عليه وآله) .


 



[1] الحجر : 9 .

[2] نهج البلاغة : الخطبة 176 .

[3] نهج البلاغة : الخطبة 176 .

[4] نهج البلاغة : الخطبة 176 .

[5] المعجم الصغير للطبراني ، ج 1 ، ص 135 .

[6] الكافي ، ج 1 ، ص 69 ، ح 4 .

[7] الاعتقادات : ص 93 .

[8] تفسير مجمع البيان ، ج 1 ، ص 43 .

[9] التبيان للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 3 .

[10] تفسير مجمع البيان ، ج 1 ، ص 42 .

[11] سعد السعود : ص 144 .

[12] الحجر : 9 .

[13] اظهار الحق : ج 2 ، ص 130 .

[14] الاء الرحمن ، ص 25 .

[15] الاء الرحمن ، ص 25 .

[16] التفسير الصافي، ج 1 ، ص 51 .

[17] آلاء الرحمن ، ص 25 .

[18] كشف الغطاء ، ج 2 ، ص 299 .

[19] تهذيب الأصول (تقرير بحث السيد الخميني) ، ج 2 ، ص 96 .

[20] تفسير القرطبي، ج 14 ، ص 113 .

[21] تفسير القرطبي، ج 14 ، ص 113 .

[22] الإتقان في علوم القرآن ، ج 1 ، ص 67 . الدر المنثور للسيوطي ، ج 6 ، ص 420 .

[23] الناسخ والمنسوخ لابن حزم ، ص 9 .

[24] الدر المنثور ، ج 5 ، ص 180 .

[25] اُسد الغابة ، ج 1 ، ص 11 و 12 ، طبع مصر) .

[26] المصدر السابق .

[27] المصدر السابق .

[28] المصدر السابق .

[29] الاستيعاب في أسماء الأصحاب ، ج 1 ، ص 2 ، اسد الغابة ، ج 1 ، ص 3 نقلاً عن ابن الأثير .

[30] الحديد : 10 .

[31] التوبة : 100 .

[32] الفتح : 18 .

[33] الحشر : 8 .

[34] الفتح : 29 .

[35] المنافقون : 1 .

[36] التوبة : 101 .

[37] الأحزاب : 12 .

[38] التوبة : 102 .

[39] جامع الاُصول لابن الأثير : ج 11 ، ص 120 ، ح 7972  . ورواه البخاري ومسلم .

[40] في نسخة «فيحلؤون عنه» .

[41] صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 208 .

[42] النساء : 24 .

[43] صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 130 .

[44] على نحو المثال نشير إلى بعض مصادرها :

(أ) مسند أحمد ، ج 4 ، ص 436 ، و ج 3 ص 356 .  (ب) الموطأ لمالك ، ج 2 ، ص 30 . (ج) سنن البيهقي ، ج 7 ، ص 306 . (د) تفسير الطبري ج 5 ، ص 9 . (هـ) النهاية لابن الأثير ، ج 2 ، ص 249 . (و) تفسير الرازي ، ج 3 ، ص 201 . (ز) تاريخ ابن خلكان ، ج 1 ، ص 359 . (ح) أحكام القرآن للجصاص ، ج 2 ، ص 178 . (ط) المحاضرات للراغب ، ج 2 ، ص 94 . (الجامع الكبير للسيوطي ، ج 8 ، ص 293 . (ي) فتح الباري لابن حجر ، ج 9 ، ص 141 .

[45] صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 59 ، وأيضاً : ص 131 . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 7 ، ص 206 .

[46] الدر المنثور للسيوطي ، ج 2 ، ص 140 .

[47] شرح التجريد للقوشجي  ، ص 484 .

[48] المؤمنون : 5 و 6 .

[49] الدر المنثور ، ج 2 ، ص 140 و 141 ، ذيل آية المتعة .

[50] انظر : وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 436 ، كتاب النكاح ، الباب الأول من أبواب المتعة .

[51] الرعد : 15 .

[52] صحيح البخاري ج 1 ، ص 91 كتاب الصلاة .

[53] من لا يحضره الفقيه ، ج 1 ، ص 272 ، ح 843 . بحار الأنوار ، ج 85 ، ص 147 نقلاً عن علل الشرائع .

[54] صحيح البخاري ج 1 ، ص 91 كتاب الصلاة . سنن البيهقي ، ج 1 ، ص 212 باب التيمم بالصعيد الطيب .

[55] كنز العمال ، ج 7 ، ص 465 ، ح 19809 . مسند احمد بن حنبل ، ج 6 ، ص 323 .

[56] أحكام القرآن للجصاص ، ج 3 ، ص 209 (طبع بيروت) ، باب السجود على الوجه .

[57] الخُمْرَةُ: حصيرة أَو سَجَّادَةٌ صغيرة تنسج من سَعَفِ النخل و تُرَمَّلُ بالخيوط، و قيل: حصيرة أَصغر من المُصَلَّى، و قيل: الخُمْرَة الحصير الصغير الذي يسجد عليه. و في الحديث: «أَن النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يسجد على الخُمْرَةِ» ; وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه ينسج من السَّعَفِ (لسان العرب : 4 / 386 / خمر) .

[58] صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 101 ، باب الصلاة على الخمرة . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 328 ، ح 1028 ، باب الصلاة على الخمرة . مسند احمد بن حنبل، ج 1 ، ص 269 ، و ج 3 ، ص  52 .

[59] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 62 . مسند احمد بن حنبل ، ج 3 ، ص 52 .

[60] سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 100 . المستدرك على الصحيحين ، ج 1 ، ص 195 . السنن الكبرى للبيهقي ج 1 ، ص 439 .

[61] السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ، ص 105 .

[62] الطبقات الكبرى ، ج 6 ، ص 79 .

[63] ولمزيد الاطلاع على الشواهد التاريخية الاُخرى راجع كتاب «سيرتنا» تأليف العلاّمة الأميني (رحمه الله).

[64] السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 105 .

[65] أخبار مكة للازرقي ، ج 3 ، ص 151 .

[66] السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 105 .

[67] السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 105 .

[68] الكافي ، ج 3 ، ص 331 ، ح 8 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 593 ، ح 7 ، كتاب الصلاة ، أبواب ما يسجد عليه .

[69] من لا يحضره الفقيه ، ج 1 ، ص 272 ، ح 843 . بحار الأنوار ، ج 85 ، ص 147 نقلاً عن علل الشرائع  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 591 ، ح 1 ، كتاب الصلاة ، أبواب ما يسجد عليه .

[70] انظر الفقه على المذاهب الأربعة ، ج 1 ، ص 161 (طبع مصر) ، كتاب الصلاة ، بحث السجود .

[71] يوسف : 93 .

[72] يوسف : 96 .

[73] صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 162 .

[74] صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 180 .

[75] صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 164 و ج 6 ، ص 176 . الإصابة ، ج 1 ، ص 7 ، خطبة الكتاب .

[76] سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 204 ، ح 1954 .

[77] تبرك الصحابة ، الفصل الأول ، ص 29 . شرح مسلم للنووي ، ج 31 ، ص 194 .

[78] صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 79 .

[79] انظر : السيرة النبوية لابن هشام ، ج 1 ، ص 431 (طبعة مصر) .

[80] المعجم الكبير للطبراني ، ج 5 ، ص 52 . مكاتيب الرسول ، ج 2 ، ص 468 .

[81] الأحكام السلطانيّة : الباب الأول ص 5 ، (الطبعة الاولى / مصر) .

[82] المصدر السابق .

[83] المصدر السابق .

[84] علل الشرائع : الباب 182 ، ص 253 .

[85] الأنعام : 84 و 85 .

[86]  الدر المنثور ، ج 3 ،  ص 28 (ذيل الآية) .

[87] آل عمران : 61 .

[88]  الدر المنثور ، ج 2 ، ص 38 .

[89] مفاتيح الغيب ، ج 2 ، ص 488 (طبع مصر سنة 1308) .

[90] المصدر السابق .

[91] الجامع لأحكام القرآن  ، ج 4 ، ص 104 (طبع بيروت) .

[92] تاريخ مدينة دمشق ، ج 41 ، ص 151 .

[93] تاريخ مدينة دمشق ، ج 31 ، ص 202 .

[94] اقتباس من كتاب «فروغ ابديت» للاُستاذ الشيخ جعفر السبحاني .

 

عنوان الکتاب