|
|
السؤال 24 الى 29 |
|
السؤال الرابع والعشرون
هل القَسَم بغير الله شركٌ ؟
الجواب :
لابدّ من تفسير عنواني «التوحيد» و «الشرك» على ضوء الكتاب والسنّة الشريفة ; فإنّهما خير معيار لمعرفة الحق من الباطل والتوحيد من الشرك .
وعليه فمن الحريّ بنا أن نعرض كلّ الأفكار والأفعال على هذا المقياس القويم أعني مقياس الوحي وسيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) لنميز السليم القويم من المعيب والمعوج .
وإليك أدلّتنا الواضحة ـ من خلال الكتاب والسنّة ـ على جواز الحلف بغير الله :
1ـ أقسم الباري سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بمخلوقات نظير : «حياة النبيّ» و «نفس الإنسان» و «القلم» الذي هو مظهر للكتابة و «الشمس» و «القمر» و «النجم» و «النهار» و «الليل» و «السماء» و «الأرض» و «الزمان» و «الجبال» و «البحار» ، وإليك بعض هذه الآيات :
أـ ) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [1] .
ب ـ ) وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها (1 (وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (2( وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها (3) وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4( وَ السَّماءِ وَ ما بَناها (5) وَ الاَْرْضِ وَ ما طَحاها (6) وَ نَفْس وَ ما سَوّاها (7( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها[2].
ج ـ ) وَ النَّجْمِ إِذا هَوى [3]. )
د ـ ) ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ [4]. )
هـ ـ ) وَ الْعَصْرِ (1) إِنَّ الاِْنْسانَ لَفِي خُسْر [5]. )
و ـ ) وَ الْفَجْرِ (1) وَ لَيال عَشْر[6]
ز ـ ) وَ الطُّورِ (1( وَ كِتاب مَسْطُور (2( فِي رَقّ مَنْشُور (3 (وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4( وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5( وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ[7]. )
كما نراه سبحانه أقسم بمخلوقات مختلفة في السور التالية : «النازعات» و «المرسلات» و «البروج» و «الطارق» و «البلد» و «التين» و «الضحى» .
فلا شك ولا ريب أنّ القسم بغير الله لو كان شِركاً بالله سبحانه لما بادر القرآن الكريم ـ الذي هو رمز التوحيد الخالد ـ للقَسَم بشيء من المذكورات ، وإذا كان القَسَم من خصائص الباري سبحانه لبيّنته الآيات الكريمة لئلاّ يقع الناس في الاشتباه .
2ـ يرى جميع المسلمين أنّ النبيّ اُسوة لهم ، ويرون سيرته في حياته ميزاناً قويماً لتقييم الأعمال صحيحها من فاسدها . مع أننا نجد علماء المسلمين ومحدّثيهم رووا في صحاحهم ومسانيدهم موارد كثيرة أقسم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بغير الباري سبحانه وتعالى .
فروى أحمد بن حنبل ـ رئيس المذهب الحنبلي ـ في مسنده :
«إنّ بشيراً سأل النبيّ(صلى الله عليه وآله) أصوم يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحداً فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا تصم يوم الجمعة إلاّ في أيام هو أحدها أو في شهر وأما أن لا تكلم أحداً فلعمري لأن تكلّم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت»[8].
وروى مسلم في صحيحه :
«جاء رجل إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً فقال : أما وأبيك لتنبأنّه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء . ..»[9] .
فالذين يتّهمون جمعاً كثيراً من المسلمين بالشرك بسبب اعتقادهم جواز القَسَم بغير الله كيف يوجّهون أمثال هذه الروايات ؟ !
3ـ نحن نجد أنّ أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)والمقرّبين إليه ـ مضافاً إلى ما نجده في كتاب الله وسيرة رسوله ـ كانوا يحلفون بغير الله سبحانه ، فهذا وصيّه وصهره عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يُقسم في مواطن كثيرة بنفسه الشريفة وذلك في قوله :
«ولعمري ليضعفن لكم التيه من بعدي أضعافا»[10]
وقوله :
«ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك»[11] .
ومن الواضح أنّه لا مجال للاجتهاد والاستحسان مع كثرة النصوص الواردة ، ولا يوجد دليل يمكن أن يخطّئ الكتاب العزيز وسيرة نبيّنا الكريم وأصحابه المقرّبين كأمير المؤمنين ويسقطها عن الحجّيّة ويتهمها بالشرك .
النتيجة :
يتبيّن من الأدلّة المذكورة بوضوح أنّ القَسَم بغير الله سبحانه جائز شرعاً في نظر الكتاب العزيز وسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وسيرة المؤمنين ، بل هو من الاُصول المسلّمة عندهم ، وأنّه لا ينافي التوحيد أصلاً .
وعلى هذا الأساس إذا ورد في شيء من الروايات ما ينافي بظاهره جواز القَسَم بغير الله فلابدّ من الإعراض عن ظاهره وتوجيهه وتأويله بما يوافق صريح الكتاب والسنّة الثابتة .
وإليك فيما يلي نصّ رواية مبهمة ، والجواب عنها :
روى البخاري عن ابن عمر :
«أنّه ادرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه ، فناداهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ألا إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله ، وإلاّ فليصمت»[12] .
فهذه الرواية لا يمكنها أن تقوم مقابل الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ، ومع ذلك فإنّ وجه الجمع بينها وبين الأدلّة المذكورة سابقاً هو أنّ آباء عمر لم يكونوا موحّدين ، بل كانوا من عبَدة الأوثان ، وعابد الوثن لا يستحقّ أن يقسَم به ، فنهي الرواية عن القسَم بالآباء لعدم أهليّتهم لذلك .
السؤال الخامس والعشرون
هل التوسّل بأولياء الله شركٌ وبدعة ؟
الجواب :
التوسّل : هو جعل شيء ذا قيمة وسيلةً بين العبد وبين ربّه لأجل الوصول إلى القرب الإلهيّ . يقول ابن منظور في لسان العرب في بيان معنى الكلمة :
«توَسَّل إِليه بكذا : تقرَّب إِليه بحُرْمَةِ آصِرة تُعْطفه عليه»[13] .
ويقول تعالى في محكم كتابه :
)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[14] . )
وعرّف الجوهري في كتابه «صحاح اللغة» الوسيلة بقوله :
«الوَسِيلةُ ما يُتَقَرَّبُ به إِلى الغَيْر» .
وعليه فقد يكون ما نتوسّل به ونجعله وسيلة بيننا وبينه جلّ وعلا عملاً ذا قيمة وعبادةً خالصةً لله سبحانه والتي تعدّ وسيلة قوية تقربنا إلى الله عزّوجلّ ، وقد يكون ما نتوسّل به إنساناً وجيهاً عند الباري وذا مقام جليل وله منزلة عند الحقّ تعالى .
أقسام التوسّل
يمكن تقسيم التوسّل إلى ثلاثة أقسام هي :
1ـ التوسّل إلى الله بالأعمال الصالحة ، فروى السيوطي في ذيل الآية الشريفة : ) وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ( الرواية التالية عن قتادة :
«تقرّبوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه»[15] .
2ـ التوسّل إلى الله بدعاء عباده الصالحين ، كما قال تعالى حكاية لقول إخوة النبي يوسف(عليه السلام) حيث قال :
)قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ _„_97_ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [16] . )
فالآية الكريمة صريحة وواضحة في أنّ أولاد النبي يعقوب توسّلوا بدعاء واستغفار أبيهم ، واعتقدوا أنّه سبب للعفو عنهم وغفران ذنوبهم ، مع أنّ نبيّ الله يعقوب(عليه السلام) لم يعترض عليهم في ذلك ، بل إنّه وعدهم بالاستغفار ، واستغفر لهم فعلاً .
3ـ التوسّل بالشخصيّات الوجيهة عند الله والتي لها مقام سام ومنزلة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى للحصول والوصول إلى القرب الإلهي . وهذا النوع من التوسّل كان موجوداً في صدر الإسلام ، وعليه سيرة الصحابة وامضائهم .
وإليك فيما يلي أدلّة المسألة على ضوء الأحاديث وسيرة صحابة النبيّ(صلى الله عليه وآله)وأجلاّء المسلمين :
1ـ روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عثمان بن حنيف :
«أن رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال : ادع الله أن يعافيني . قال : إن شئت دعوت لك ، وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير . فقال : ادعه ، فأمره أن يتوضأ ، فيحسن وضوءه ، فيصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللّهمّ إني أسألك وأتوجّه اليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهتُ بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى[17] لي ، اللّهم شفّعه فيَّ»[18] .
وقد اتّفق المحدّثون على هذه الرواية حتى أنّ الحاكم النيسابوري قال في مستدركه على الصحيحين بعد نقل الحديث بسندين :
«هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرّجاه ، وإنّما قدّمت حديث عون بن عمارة لأنّ من رسمنا أن نقدّم العالي من الأسانيد»[19].
وقال ابن ماجة بعد ذكر الحديث :
«قال أبو إسحاق : هذا حديث صحيح»[20] .
كما أيّد الترمذي صحة الحديث بعد نقله[21] .
وقال محمد نسيب الرفاعي في كتابه «التوصّل إلى حقيقة التوسّل»:
«لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلا شكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) له»[22] .
فيظهر من هذه الرواية بوضوح أنّ التوسّل بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) لأجل نيل الحوائج جائز شرعاً ، بل إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمر الأعمى بالدعاء بهذه الكيفيّة ، وبأن يجعل النبيّ شفيعاً بينه وبين الباري تعالى ، وهذا هو معنى التوسّل بأولياء الله والمقربين لديه .
2ـ روى البخاري في صحيحه عن أنس :
«أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللّهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا(صلى الله عليه وآله) فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا . قال : فيُسقَون»[23] .
2ـ كان التوسّل بأولياء الله أمراً رائجاً ومتعارفاً إلى حدّ كبير بحيث أنّ المسلمين في صدر الإسلام ضمنوا أشعارهم التوسّل بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) بل عرّفوه فيها بكونه الواسطة بين الخلق وبين الباري سبحانه .
فأنشد سواد بن قارب النبيَّ قصيدة جاء في بعض أبياتها :
وأشهد أنّ الله لا ربّ غيره وانّك مأمون على كلّ غائب
وأنّك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يابن الأكرمين الأطائب[24]
فعندما سمعه النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يستنكر عليه ما قاله ولم يتّهمه بالشرك .
كما أشار الشافعي إلى هذا الأمر في أبيات له هي :
آل النبيّ ذريعتي وهم إليه وسيلتي
أرجو بهم اُعطى غداً بيدي اليمين صحيفتي[25]
والروايات الواردة في جواز التوسّل بأولياء الله كثيرة ، لكن على ضوء ما ذكرناه منها يتضح جوازه ، بل حسنه ومطلوبيّته في منظار السنّة الشريفة وسيرة الصحابة وكبار علماء المسلمين ، فلا نجد حاجة لإطالة الكلام فيه أكثر .
وبهذا البيان اتّضح وهن قول من يدعي أنّ التوسّل بأولياء الله وأحبّائه شرك وبدعة .
السؤال السادس والعشرون
هل إحياء ذكرى ولادة أولياء الله شركٌ وبدعة ؟
الجواب :
إحياء ذكرى أولياء الله المخلصين وعباده المقرّبين نظير إقامة حفلات البهجة والسرور بمناسبة ذكريات ولاداتهم ، وإن كانت مسألة واضحة عند العلماء والحكماء ، لكنّا نذكر فيما يلي أدلّة جوازها ; رفعاً للشبهة عن الأذهان .
1ـ إبراز المحبّة لهم
حثّ القرآن الكريم المسلمين على حبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) بقوله عزّ من قائل :
)قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى[26] . )
ولا شكّ ولا ريب أنّ إحياء ذكريات أهل البيت (عليهم السلام) مظهر من مظاهر إبراز المحبّة لهم، وهذا الأمر مرضيّ ومقبول في النظرة القرآنيّة.
2ـ تعظيم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عدّ القرآن الكريم نصرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وتعظيمه ميزاناً ومعياراً للسعادة والفوز، وذلك في قوله تعالى :
) فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[27] . )
فيستفاد من الآية المذكورة بوضوح أنّ تعظيم النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمر مطلوب وحسن في النظرة الإسلاميّة ، فإقامة الاحتفالات التي تحيي ذكر النبيّ في القلوب وتعظّمه مما يرضي الربّ تبارك وتعالى ، فإن الآية ذكرت أربع صفات للفائزين هي :
أـ الإيمان به ، في قوله : ) فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ( .
ب ـ اتّباع النور الذي معه ، في قوله : ) وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ(.
ج ـ نصرته ، في قوله : ) وَ نَصَرُوهُ ( .
د ـ تعظيمه وتبجيله ، في قوله : ) وَ عَزَّرُوهُ ( .
وعليه فاحترام النبيّ وتعظيمه وتبجيله ـ مضافاً إلى الإيمان به ونصرته واتّباعه ـ أمر ضروري ، والاحتفال بذكرى النبيّ(صلى الله عليه وآله) امتثال لقوله تعالى : ) وَ عَزَّرُوهُ ( .
3ـ إحياء ذكرى النبيّ اتّباع وتأسٍّ بالله تعالى
قال تعالى في محكم كتابه الكريم معظِّماً للنبيّ(صلى الله عليه وآله) :
) وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [28] . )
فعلى ضوء هذه الآية يريد سبحانه وتعالى أن يرفع ويُعظّم ذكر النبيّ(صلى الله عليه وآله) في أرجاء العالم ، بل إنّ الله سبحانه يعظّم نبيّه خلال آيات عديدة من القرآن الكريم .
فنحن تبعاً للكتاب العزيز نعظّم نبيّنا ونبجّله من خلال الاحتفالات والمناسبات المختلفة ، والتي نبيّن فيها فضله ، ومقامه السامي ، وبهذا نتأسّى ونتّبع ما جاء عن ربّنا تبارك وتعالى .
ومن الواضح أنّ هدف المسلمين من إحياء ذكرى النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الاحتفالات والمناسبات المختلفة ليس إلاّ رفع ذكره وإعلاء شأنه(صلى الله عليه وآله) .
4ـ نزول الوحي ليس بأقلّ من نزول المائدة من السماء
قال تعالى في محكم كتابه حكاية عن لسان نبيّه عيسى(عليه السلام) :
) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيدًا لاَِوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ [29] . )
فطلب عيسى(عليه السلام) من الله سبحانه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، وأمر عيسى قومه أن يتخذوا يوم نزولها يوم عيد .
والآن نطرح السؤال التالي : إذا كان نبيّ مكرّم يتّخذ يوم نزول المائدة ـ والتي فيها لذّة النفس ـ يوم عيد ، فإذا اتّخذ المسلمون يوم ولادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ وهو منجي البشريّة أجمع وسبب حياتهم الحقيقيّة ـ أو يوم مبعثه يوم عيد ، فهل هو شرك وبدعة ؟ !
5ـ سيرة المسلمين
يقيم المسلمون منذ قديم الأيام احتفالات بمناسبة ولادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأجل إحياء ذكراه وتعظيمه .
يقول حسين بن محمد الديار بكري في كتابه «تاريخ الخميس» :
«لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهر عليهم من كراماته كلّ فضل عظيم»[30] .
وبهذا البيان اتّضح جواز وحسن إقامة الاحتفالات لإحياء ذكرى أولياء الله من خلال القرآن الكريم وسيرة المسلمين من القديم . وبه يتّضح وهن من يزعم أنّ الاحتفال بذكرى أولياء الله بدعة ; فإنّ البدعة ما حكم بجوازه مطلقاً أو في ظرف معين مع عدم وجود دليل على جوازه من الكتاب والسنّة ، مع أنّ حكم المسألة مستفاد من الكتاب ومن سيرة المسلمين المستمرّة من القديم إلى يومنا هذا .
مع أنّ إقامة هذه الاحتفالات والشعائر إنّما هو لإبراز الاحترام لأولياء الله ، مع الاعتقاد بأنهم عبيد محتاجون لله .
وعلى هذا فما يفعله الشيعة من الاحتفالات وإحياء ذكرى أولياء الله لا ينافي التوحيد بل هو منسجم معه تماماً .
وبه يتّضح بطلان ووهن زعم من يزعم أنّ الاحتفال بذكرى أولياء الله بدعة وشرك .
السؤال السابع والعشرون
لماذا يصلّي الشيعة الصلوات الخمس في ثلاثة أوقات ؟
الجواب :
قبل الدخول في البحث لا بأس بذكر آراء الفقهاء في المسألة ، فنقول :
1ـ اتفق الفقهاء من جميع الفرق الإسلاميّة على جواز أداء صلاتي الظهر والعصر في وقت واحد ومن دون فاصل في عرفات ، كما اتفقوا على جواز الجمع بين العشاءين في المزدلفة والاتيان بهما في وقت العشاء .
2ـ يقول أتباع المذهب الحنفي أنّ الجمع بين الظهرين والعشاءين مخصوص بالموردين المذكورين ولا يجوز في غيرهما .
3ـ يقول أتباع المذهب المالكي والشافعي بجواز الجمع بين الظهرين والعشاءين في السفر فضلاً عن الموردين المذكورين . كما يقول بعضهم بجواز الجمع في حالات الاضطرار ; كالمرض والخوف من العدوّ ونزول المطر .[31]
4ـ يقول الشيعة أنّ لكل من الصلوات المذكورة وقتاً خاصاً ووقتاً مشتركاً:
أ ـ يبدأ الوقت المختصّ بالظهر من الزوال إلى مضي زمان يكفي لأداء صلاة الظهر ، ففي هذا الوقت لا يجوز الاتيان إلاّ بصلاة الظهر .
ب ـ يبدأ الوقت المختصّ بصلاة العصر قبل آخر الوقت بمقدار يكفي لأداء صلاة العصر ، ففي هذا الوقت لا يجوز الاتيان إلاّ بصلاة العصر .
ج ـ الوقت المشترك بين صلاتي الظهر والعصر هو الزمان الواقع بين الوقت المختصّ بصلاة الظهر والوقت المختصّ بصلاة العصر .
فالذي تقول به الشيعة هو جواز الاتيان بصلاتي الظهر والعصر في الوقت المشترك من دون فاصل بينهما ، ويقول أهل السنّة أنّ الوقت المختصّ بالظهر هو من حين الزوال إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء بحجمه ومقداره ، فلا يجوز الاتيان بصلاة العصر فيه . وما بعده إلى الغروب هو الزمان المختصّ بصلاة العصر ، ولا يجوز الاتيان بصلاة الظهر فيه .
د ـ يبدأ الوقت المختصّ بصلاة المغرب من حين الغروب الشرعي إلى مضي زمان يكفي لأداء ثلاث ركعات ، فلا يجوز في هذا الوقت الاتيان إلاّ بصلاة المغرب .
هـ ـ يبدأ الوقت المختصّ بصلاة العشاء قبل منتصف الليل (آخر وقت العشاء) بمقدار يكفي لأداء الصلاة ، ففي هذا الوقت لا يجوز الاتيان إلاّ بصلاة العشاء .
وـ الوقت المشترك بين صلاتي المغرب والعشاء هو الزمان الواقع بين الوقتين المختصّين بهما .
والذي تقول به الشيعة هو جواز الاتيان بصلاتي المغرب والعشاء في الوقت المشترك من دون فاصل بينهما ، ويقول أهل السنّة أنّ الوقت المختصّ بالمغرب هو من حين الغروب إلى أن يزول الشفق الأحمر من جهة المغرب ، فلا يجوز الاتيان بصلاة العشاء فيه . وما بعده إلى منتصف الليل زمان مختصّ بصلاة العشاء ، ولا يجوز الاتيان بصلاة المغرب فيه .
زبدة المخاض : بناء على ما يتبنّاه الشيعة يمكن الاتيان بصلاة الظهر عند حصول الزوال الشرعي (وقت صلاة الظهر) ، ويمكن الاتيان بعدها مباشرة بصلاة العصر . كما يمكن الاتيان بصلاة الظهر قبل دخول الوقت المختصّ بصلاة العصر بشرط أن يكون قبلها بزمان كاف لأداء الظهر ، ثمّ الاتيان بعدها مباشرة بصلاة العصر ، وبهذا الشكل يتم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر .
نعم من المستحبّ الاتيان بصلاة الظهر عند أول الزوال ، والاتيان بصلاة العصر بعد مضيّ فترة من الزوال بحيث يصير ظلّ كلّ شيء بحجمه .
وكذا الكلام في صلاتي المغرب والعشاء ; حيث يمكن الاتيان بصلاة المغرب عند الغروب الشرعي للشمس (وقت صلاة المغرب) ، ويمكن الاتيان بعدها مباشرة بصلاة العشاء . كما يمكن الاتيان بصلاة المغرب قبل دخول الوقت المختصّ بصلاة العشاء بشرط أن يكون قبلها بزمان يكفي لأداء المغرب ، ثمّ الاتيان بعدها مباشرة بصلاة العشاء ، وبهذا الشكل يتم الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء . وإن كان المستحبّ هو الاتيان بصلاة المغرب في أول وقتها (عند الغروب الشرعي) ، والاتيان بصلاة العشاء عند ذهاب وزوال الحمرة من جهة المغرب .
وأما أهل السنّة فيقولون : لا يجوز الجمع بين الظهرين والعشاءين ـ بالنحو الذي ذكرناه ـ في جميع الأماكن والأوقات .
وعلى هذا فنقطة الخلاف ومحلّ البحث هو الجمع بين الصلاتين مطلقاً (في جميع الأحوال والأوقات والأماكن) بحيث تؤدّى كلا الصلاتين في وقت إحداهما ، نظير الجمع بينهما في عرفات والمزدلفة .
5ـ اتّفق جميع المسلمين على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين صلاتيه ، ولكن وقع الخلاف في تفسير الرواية على قولين :
أـ يقول الشيعة انّ المراد منها هو أنّ الجمع بين الصلاتين جائز في جميع الأحوال والأوقات ، ولا يختصّ بزمان دون آخر ، ولا بحال دون حال ، بل يمكن الاتيان بصلاة العصر في أول الوقت وبعد أداء الظهر ، والاتيان بصلاة العشاء في أول الوقت وبعد أداء صلاة المغرب .
ب ـ يقول أهل السنّة إنّ المراد من الجمع فيها هو الاتيان بصلاة الظهر في آخر الوقت ، وبالعصر في أول الوقت ، والاتيان بصلاة المغرب في آخر الوقت ، وبالعشاء في أول الوقت ، وبه يحصل الجمع بين الصلاتين .
ولإيضاح المسألة بنحو تامّ نتعرّض للروايات الواردة في المسألة ونبيّن دلالتها ; ليتّضح الحال ، وبه يتبين أنّ المقصود منها هو ما ذكره الشيعة من جواز الجمع بين الصلاتين في جميع الأحوال ، لا ما ذكره أهل السنّة من أنّ المراد هو الاتيان بالظهر آخر الوقت والعصر في أوله ، أو المغرب في آخر الوقت والعشاء في أوله . والروايات هي :
1ـ روى زعيم المذهب الحنبلي أحمد بن حنبل في مسنده عن عمرو قال :«أخبرني جابر بن زيد أنه سمع ابن عباس يقول : صليت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)ثمانياً جميعاً ، وسبعاً جميعاً . قال : قلت له : يا أبا الشعثاء أظنه آخر الظهر وعجّل العصر ، وآخر المغرب وعجّل العشاء ! قال : وأنا أظنّ ذلك»[32] .
فهذه الرواية تدلّ بوضوح على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهرين ، والمعبّر عنه في الرواية بـ «ثمان» ، وبين العشاءين ، والمعبّر عنه في الرواية بـ «سبع» ، فكان يصلّيها من دون فاصل بينها .
2ـ كما روى أحمد بن حنبل في مسنده أيضاً عن عبد الله بن شقيق قال :
«خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وعلق الناس ينادونه الصلاة ، وفي القوم رجل من بني تميم فجعل يقول : الصلاة ، الصلاة ، قال : فغضب ، قال : أتعلّمني بالسنّة ! شهدت رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . قال عبد الله : فوجدت في نفسي من ذلك شيئاً ، فلقيت أبا هريرة ، فسألته فوافقه» .[33]
ففي هذه الرواية أذعن بهذه الحقيقة اثنان من الصحابة هما : «ابن عبّاس» و «أبو هريرة» ، وقالا إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء، وقد تأسّى ابن عبّاس بسيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
3ـ روى زعيم المذهب المالكي الإمام مالك بن أنس في الموطأ عن عبد الله بن عباس ، أنه قال :
«صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر» .[34]
4ـ وروى مالك أيضاً عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، أن معاذ بن جبل أخبره :
«أنّهم خرجوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) عام تبوك ، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء» .[35] 5ـ وروى مالك أيضاً عن نافع ، أن عبد الله بن عمر ، قال :
«كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا عجل به السير ، يجمع بين المغرب والعشاء» .[36]
6ـ كما روى أيضاً عن أبي هريرة :
«أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهر والعصر ، في سفره إلى تبوك» .[37]
7ـ وروى أيضاً عن نافع :
«أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الاُمراء بين المغرب والعشاء في المطر ، جمع معهم» .[38]
8ـ كما كتب مالك نقلاً عن علي بن الحسين أنه كان يقول :
«كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر ، وإذا أراد أن يسير ليله جمع المغرب والعشاء» .[39]
9ـ وروى الزرقاني في شرحه على الموطأ عن أبي الشعثاء :
«ان ابن عباس صلّى في البصرة الظهر والعصر ليس بينهما شيء ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء»[40]
10ـ وروى الزرقاني في شرحه على الموطأ أيضاً نقلاً عن الطبراني عن ابن مسعود :
«جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت هذا لئلاّ تحرج اُمتي»[41] .
11ـ وروى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال :
«صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر»[42] .
قال أبو الزبير : فسألت سعيداً لم فعل ذلك ؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد أن لا يحرج احداً من اُمّته .[43]
12ـ وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
«جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر» .[44]
قال ]سعيد بن جبير[: قلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : كي لا يحرج اُمّته .[45]
13ـ عقد البخاري باباً تحت عنوان «باب تأخير الظهر إلى العصر»[46] ، وهذا العنوان خير دليل على جواز تأخير الظهر إلى وقت العصر ، والاتيان بها وبصلاة العصر في وقت واحد ، وروى في هذا الباب الرواية التالية عن جابر بن زيد عن ابن عباس :
«ان النبيّ(صلى الله عليه وآله) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء»[47] .
فهذه الرواية تدلّ بوضوح على أنّه يجوز تأخير الظهر إلى وقت العصر والاتيان بهما معاً ، بل سياق الرواية يدلّ على أنّه يجوز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ; تبعاً لفعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
14ـ ولهذا قال البخاري في موضع آخر :
«وقال ابن عمر وابو ايوب وابن عباس : صلّى النبيّ(صلى الله عليه وآله) المغرب والعشاء»[48] .
15ـ وروى مسلم في صحيحه :
«قال رجل لابن عباس : الصلاة . فسكت ، ثمّ قال : الصلاة . فسكت . ثم قال : الصلاة . فسكت . ثمّ قال : لا اُمّ لك ، أتعلّمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)!»[49]
16ـ وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن ابن عبّاس :
«ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء . قال سعيد : فقلت لابن عبّاس : ما حمله على ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج اُمّته»[50].
17ـ كما روى أيضاً عن أبي الطفيل عامر عن معاذ قال :
«خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك ، فكان يصلّي الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً»[51] .
18ـ وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب :
«أنه سأل سالم بن عبد الله : هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر ؟ فقال: نعم ، لا بأس بذلك ، ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة ؟»[52] .
ومما ينبغي ذكره أنّ المسلمين جميعاً يرون جواز الجمع بين الظهرين في عرفات والاتيان بهما في وقت الظهر من دون فصل بينهما ، وهنا يقول : سالم بن عبد الله : كما يجمع بين الظهر والعصر في عرفة يجمع بينهما في غير عرفة أيضاً .
19ـ وروى المتقي الهندي في كنز العمال عن عمرو بن شعيب قال :
قال عبد الله : جمع لنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) مقيماً غير مسافر بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقال رجل لابن عمر : لِمَ ترى النبيّ(صلى الله عليه وآله)فعل ذلك ؟ قال : لأن لا يحرج اُمّته إن جمع رجل» .[53]
20ـ وروى المتقي الهندي في كنز العمال عن جابر :
«أن النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين»[54].
21ـ وروى المتقي الهندي في كنز العمال عن جابر أيضاً :
«أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) غربت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف» .[55]
22ـ في كنز العمال عن صالح مولى التؤمة أنه سمع ابن عباس يقول :
«جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير سفر ولا مطر . قال : قلت لابن عباس : لِم تراه فعل ذلك ؟ قال : أراد التوسعة على اُمّته»[56] .
النتيجة :
ولنبيّن على ضوء الروايات المذكورة وجه الجمع بينها بأدلة واضحة والذي سيسفر عن صحّة ما قاله الشيعة في المسألة :
1ـ الجمع بين الصلاتين للتسهيل على الاُمّة والحيلولة دون وقوعها في الحرج :
دلّت مجموعة من الروايات المذكورة على هذه الحقيقة وأنّه إذا لم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فإنّه يوجب الوقوع في الحرج والأذى ، ولهذا فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أجاز الجمع بين الصلاتين في وقت واحد لأجل التوسعة على المسلمين والتسهيل عليهم في أعمالهم ، ويدلّ على ما ذكرناه الأحاديث (10 و 16 و 19 و 22) من الأحاديث السالفة .
ومن الواضح أنّه إذا كان المقصود من الروايات المذكورة هو أنّه يمكن تأخير الظهر إلى فترة بحيث يصير ظلّ كلّ شيء مثله ـ والذي هو أول وقت العصر عند أهل السنّة ـ والاتيان بصلاة العصر في أول وقتها بحيث يجمع بين الصلاتين من جانب ، وتؤدى كلّ صلاة في وقتها ، فهذا ليس من عدم التسهيل فحسب ، بل فيه نوع مشقّة أكثر كما هو واضح ، مع أنّ الهدف الرئيسي من الجمع في الروايات المذكورة هو التسهيل على الاُمّة .
وبهذا البيان اتّضح أنّ المقصود من الروايات الماضية هو إمكان الاتيان بالصلاتين والجمع بينهما في سائر الوقت المشترك بينهما نظير أول الوقت وآخره ، وليس المقصود هو أن يؤتى بالاُولى في آخر وقتها وبالثانية في أول وقتها .
2ـ الجمع بين الصلاتين يوم عرفة لبيان كيفيّة الجمع :
اتّفق جمع المسلمين على جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر يوم عرفة[57]. ومن جانب آخر دلّت بعض الروايات ـ التي تقدم ذكرها ـ على جواز ذلك أيضاً ، وأنّ الجمع بين الصلاتين في غير عرفة نظير الجمع بينهما يوم عرفة ، فمن هذه الجهة لا فرق بين يوم عرفة وغيره ولا بين أرض عرفات وغيرها ، انظر في ذلك الحديث الثامن عشر .
وعليه فيمكن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت الظهر من غير عرفة نظير الجمع بينهما في يوم عرفة المتفق عليه بين المسلمين .
3ـ طريقة الجمع بين الصلاتين تبيّن كيفيّة الجمع :
نجد أنّ فقهاء الحنابلة والمالكيّة والشافعيّة يفتون بجواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، وفي قبال ذلك نجد أنّ الروايات الشريفة تدلّ بصراحة على عدم الفرق بين السفر والحضر في جواز الجمع بين الصلاتين ، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين في السفر وفي الحضر ، راجع في ذلك الروايات (3 و 11 و 19 و 22) .
وعلى هذا الأساس فكما يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر يجوز في الحضر أيضاً ، وفقاً لما ذكره الشيعة .
4ـ كيفيّة الجمع بين الصلاتين في حال الاضطرار تبيّن كيفيّة الجمع في حال الاختيار :
دلت الروايات الصحيحة الكثيرة على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأصحابه كانوا يجمعون بين الصلاتين ـ بالنحو الذي يقول به الشيعة ـ في المواطن المختلفة ; نظير حال المرض وعند نزول المطر وعند خوف العدوّ ، ولهذا أفتى الكثير من الفقهاء بجواز الجمع بين الصلاتين في حالات الاضطرار ، مع أنّ الروايات لم تميّز بين حال الاضطرار وغيرها ، بل إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين صلاتيه في غير الحالات المذكورة أيضاً ، راجع في ذلك الروايات ( 3 و 11 و 23) .
5ـ سيرة الصحابة تبيّن كيفيّة الجمع :
نجد في الروايات المذكورة آنفاً أنّ كثيراً من الصحابة كانوا يجمعون بين الصلاتين في وقت واحد ، كما فعل ابن عبّاس حيث أخّر صلاة المغرب حتى اظلمّت السماء وتشابكت النجوم ، وكلما نادوه «الصلاة» ، «الصلاة» ، لم يعتنِ بما قالوا ، فلما مضى شطر من الليل صلّى المغرب والعشاء في وقت واحد ، فلما اعترضوا عليه ، أجابهم بقوله :
«أتعلّمني بالسنّة ! شهدت رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ،والمغرب والعشاء» .
وأيّد أبو هريرة كلام ابن عبّاس . راجع في ذلك الروايات ( 2 و 7 و 9 و 15) .
وعلى ضوء الروايات المذكورة لا يبقى شك أو ترديد في أنّ ما فعله ابن عبّاس من الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما هو نفس ما عليه الشيعة .
6ـ سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) تبيّن كيفيّة الجمع :
يدلّ الحديث الحادي والعشرون على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان في مكّة فلم يصلّ المغرب بل أخّرها إلى «سرف» التي تبعد عن مكة حوالي تسعة أميال فصلى المغرب والعشاء في وقت واحد ، مع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) إذا كان في مكّة عند الغروب وسار منها إلى سرف فبملاحظة وسائط النقل البطيئة آنذاك والمسافة التي تفصلها عن مكة ، لا يمكن أنّ يصل إليها إلاّ بعد مضي شطر من الليل ، ولهذا فإن النبيّ(صلى الله عليه وآله)صلّى المغرب والعشاء في وقت العشاء .
فتبيّن من مجموع الروايات التي ذكرناها والتي نقلناها جميعاً من صحاح ومسانيد أهل السنّة صحّة ما يقوله ويفتي به الشيعة من جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت واحد ، وصلاتي المغرب والعشاء في وقت واحد .
كما اتّضح من الروايات المذكورة بضميمة ما ذكرناه من التوضيحات لها أنّ الجمع بين الصلاتين شامل لجميع الأماكن والأوقات والأحوال .
السؤال الثامن والعشرون
ما هي مصادر الفقه الشيعي ؟
الجواب :
تستنبط الشيعة أحكامها الشرعيّة ـ تبعاً لكتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله) ـ مما يلي :
1ـ القرآن الكريم .
2ـ السنّة الشريفة .
3ـ الإجماع .
4ـ العقل .
ويعدّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة أهمّ مصدرين للفقه الشيعي ، ولهذا سنتكلّم عنهما باختصار فيما يلي :
القرآن الكريم
يعتبر أبناء مدرسة الفقه الشيعي كتاب الله العزيز أهمّ مصدر لأحكامهم الفقهيّة التي يستنبطونها ، والميزان الذي تعرف به أحكام الباري عزّوجلّ ، فانّ أئمتهم وقادتهم قالوا : إنّ القرآن أرفع وأفضل مصدر لمعرفة أحكام الله عزّوجلّ ، ولهذا يجب عرض كلّ نظرية على القرآن فما وافقه قُبِل ، وما خالفه طُرِح وتُرك .
يقول الإمام السادس للشيعة جعفر بن محمد(عليه السلام) في هذا المضمار :
«كلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» .[58]
وروى عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال :
«خطب النبيّ(صلى الله عليه وآله) بمنى فقال : أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلتُه ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقُله»[59]
فمن خلال هذين الحديثين الشريفين يتضح أنّ منزلة القرآن الكريم عند أئمتنا في مجال استنباط الأحكام الشرعيّة هي أرفع منزلة .
السنّة الشريفة
السنّة ـ وهي أقوال وأفعال وإمضاءات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ العين الثانية التي ينهل منها الفقه الشيعي أحكامه الشرعيّة . والأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) يروون لنا سنّة جدّهم وخزانة علومه(صلى الله عليه وآله) . نعم إن وصلت إلينا سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بطريق معتبر غير طريق أهل البيت (عليهم السلام) فإنّه يجب الأخذ به ـ عند الشيعة ـ أيضاً .
ومن اللائق أن نبحث الموضوع من جانبين :
أدلّة التمسّك بسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله)
أوصى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أتباعهم وأشياعهم باتّباع سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى جانب وصاياهم لهم بالقرآن ، وقد مدحوا القرآن والسنّة إذا كانا متقارنين ، فمن ذلك قول الإمام الصادق(عليه السلام) :
«إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به»[60]
كما عدّ الإمام الباقر(عليه السلام) التمسّكَ بالسنّة شرطاً رئيسياً لفقاهة الفقيه الجامع للشرائط ، وذلك في قوله(عليه السلام):
«إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسّك بسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله)»[61]
بل إنّ أئمتنا (عليهم السلام) عدّوا مخالفة الكتاب والسنّة كفراً بالله العظيم ، فهذا الإمام الصادق جعفر بن محمّد(عليه السلام) يقول :
«من خالف كتاب الله وسنة محمّد(صلى الله عليه وآله) فقد كفر»[62]
فاتّضح بهذا البيان المختصر أنّ الشيعة تحترم السنّة النبويّة الشريفة أكثر من غيرها من الفرق الإسلاميّة ، وبه يتّضح وهن وبطلان دعوى من يقول : إنّ الشيعة أجنبيّون بالمرّة عن سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
أدلّة التمسّك بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
لأجل بيان عقيدة الشيعة بالنسبة لأحاديث أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله) لابدّ من البحث ضمن محورين ، هما :
أـ حقيقة أحاديث أئمتنا المعصومين (عليهم السلام) .
ب ـ أدلّة لزوم التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) .
حقيقة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
لا ترى المدرسة الشيعيّة حقاً في التشريع والتقنين لأحد قط سوى الباري عزّوجلّ ، سواء كان التشريع والتقنين في نطاق الفرد أو المجتمع ، وهذه القوانين والأحكام الشرعيّة تبيّن للناس بواسطة النبيّ(صلى الله عليه وآله) باعتباره الوسيلة الوحيدة للارتباط بالله من خلال الوحي .
وبهذا يتّضح أنّ اعتماد الشيعة على أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) باعتبارها موضحة ومفسّرة لسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، لا باعتبارها دليلاً في مقابل السنّة النبوية .
وعليه فكلام أهل البيت (عليهم السلام) في الحقيقة هو ما ورد في السنّة النبوية . ولأجل إثبات ذلك نذكر بعض الروايات الواردة في هذا المجال :
1ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب رجل سأله عن مسألة :
«مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)لسنا نقول برأينا من شيء»[63]
2ـ وقال الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً :
«حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وحديث رسول الله قول الله عزّوجلّ»[64]
3ـ وقال الإمام الباقر لجابر حين قال له : إذا حدَّثتَني بحديث فأسنده لي ، فقال(عليه السلام) :
«حدَّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل، عن الله تبارك وتعالى ، وكلّما اُحدِّثُك بهذا الإسناد»[65]
فعلى ضوء هذه الأحاديث تتضح حقيقة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وأنّها عين ما ورد في سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
أدلّة لزوم التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام)
اتّفق المسلمون من كلا الفريقين على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) خلّف بعده ثقلين عظيمين ، ودعا المسلمين إلى اتّباعهما ، وقال إنّ الهداية مقرونة بالتمسّك بهما ، وهذان الثقلان هما : كتاب الله وعترته أهل بيته .
ونذكر فيما يلي بعض هذه الروايات من باب المثال :
1ـ روى الترمذي في صحيحه عن جابر بن عبد الله :
«رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : يا أيّها الناس إني تركت فيكم من ]ما[ إن أخذتم به لن تضلّوا ; كتاب الله وعترتي أهل بيتي»[66]
2ـ وروى الترمذي في صحيحه أيضاً عن زيد بن أرقم قال :
«قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ; كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتى يرِدا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»[67]
3ـ وروى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم :
«قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوما فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثمّ قال : أمّا بعد ، ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، اُذكّركم الله في أهل بيتي ، اُذكّركم الله في أهل بيتي ، اُذكّركم الله في أهل بيتي»[68]
4ـ روى جملة من المحدثين عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال :
«إنّي تارك فيكم الثقلين ; كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليّ الحوض»[69]
وينبغي الإشارة إلى أنّ الأحاديث الواردة بهذا المضمون أكثر من أن يسعها هذا السِّفر الصغير ، وقد ذكر المحقق الجليل السيد مير حامد حسين في كتابه «عبقات الأنوار» أسانيد هذا الحديث .
فيعلم من خلال هذا الحديث الشريف أنّ التمسّك بأهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) واتّباعهم إلى جانب كتاب الله وسنّة نبيّه هو من ضروريّات الإسلام ، وأنّ ترك كلام أهل البيت يوجب الضلال والغواية .
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: من هم العترة التي أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) الاُمّة باتّباعهم ؟
لأجل الجواب على هذا السؤال نذكر الروايات التي بيّنت معنى عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
من هم أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) ؟
اتّضح من الروايات المذكورة أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حثّ المسلمين ودعاهم لاتّباع عترته ، وجعل الهداية رهينة بالتمسك بها وبالقرآن معاً ، وجعلهما المرجع للاُمّة بعده ، وصرّح بعدم انفصال أحدهما عن الآخر بقوله :
«وإنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليّ الحوض»
فبما أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) جعل العترة قرينة للقرآن أبداً ونفى انفصالهما للأبد بقوله : «وإنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليّ الحوض» ، فلابدّ أن يكونوا معصومين من الخطأ ومنزّهين عن الزلل ، وأن يكونوا ممن تغذّى من زلال عين المعارف الإلهيّة الحقّة . ولولا ذلك كله فانهم سينفصلون عن القرآن الكريم ، والحال أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)صرّح بعدم انفصالهما أبداً .
وبهذا يعرف المقصود من العترة وأهل البيت في الحديث الشريف ; فإن هذه الصفات لا تنطبق على أحد سوى ذرّيته الذين هم عترته وأهل بيته ، وهم أئمة الشيعة عليهم وعلى جدهم آلاف التحيّة والسلام .
وإليك فيما يلي وعلى ضوء الروايات أدلّة ما ذكرناه :
1ـ روى مسلم في صحيحه حديث الثقلين عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم ، وذكر فيه أنّ يزيد بن حيان سأل زيد بن أرقم فقال :
«من أهل بيته ؟ نساؤه ؟! قال : لا وأيم الله ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها ، فترجع إلى أبيها وقومها . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده»[70]
فصريح هذه الرواية أنّ عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله) الذين يجب التمسّك بهم ليسوا نساءه ، وإنّما هم منتسبون إليه مادّياً ومعنوياً ، ولهم خصوصيات تميّزهم عن غيرهم بحيث تجعلهم ـ إلى جانب القرآن ـ مؤهّلين لهداية وقيادة الاُمّة الإسلاميّة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
2ـ لم يكتفِ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ببيان أوصاف أهل بيته ، وإنما ذكر عددهم وهو «إثنا عشر» ، فروى مسلم في صحيحه عن سماك بن حرب قال : سمعت جابر بن سمرة يقول :
«سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة . ثمّ قال كلمة لم أفهمها ، فقلت : لأبي ما قال ؟ فقال : كلّهم من قريش»[71]
كما روى مسلم في صحيحه أيضاً ما يلي :
«لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً»[72]
فهاتان الروايتان دليل واضح على ما يقول به ويعتقده الشيعة من أنّ الأئمة الإثنا عشر من ذريّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) هم الخلفاء وقادة الاُمّة بعده (صلى الله عليه وآله) ; فإنّه لا يوجد مصداق للخلفاء الإثني عشر ـ الذين هم سبب لعزّة المسلمين من جانب ، ولهم أهليّة قيادة الاُمّة من الناحية العلميّة من جانب آخر ، وأن يكونوا بعد رحلة النبيّ(صلى الله عليه وآله) مباشرة من جانب ثالث ـ سوى الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت ، فإنّنا إذا غضضنا الطرف عن الخلفاء الراشدين ولاحظنا الخلفاء الذين تولّوا اُمور المسلمين من بعدهم ـ سواء من بني اُميّة أو من بني العباس ـ فإنّنا نجدهم ارتكبوا قبيح الأفعال ، فصاروا عاراً على الإسلام والمسلمين ، ولم يكونوا سبباً لعزّتهما . وبهذا يتّضح أنّ المقصود من «أهل البيت» و «العترة» في الحديث المذكور ـ والذين هم قرين القرآن والذين هم خلفاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) على اُمّته ـ هو الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) الحافظين لسنّة الرسول والحاملين لعلمه(صلى الله عليه وآله) .
3ـ ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أيضاً أنّ الأئمّة وخلفاء المسلمين هم من بني هاشم ، وهذا دليل آخر على صحة ما يقول به الشيعة ، وذلك قوله :
«إن الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم»[73]
النتيجة:
الروايات المذكورة تسفر عن أمرين :
1ـ أنّ التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) واتّباعهم إلى جانب التمسّك بالقرآن واجب .
2ـ أنّ أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله) باعتبارهم قرين القرآن ومرجع الاُمّة الإسلاميّة بعد النبيّ كما قال هو(صلى الله عليه وآله) ، يتمتّعون بصفات وخصائص هي :
أـ هم جميعاً من قريش ومن بني هاشم .
ب ـ تربطهم جميعاً قرابة برسول الله(صلى الله عليه وآله) تجعل الصدقة عليهم حراماً .
ج ـ يتمتعون جميعاً بالعصمة ، وإلاّ فإنّهم سينفصلون ويفترقون عن القرآن عملاً ، مع أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : «إنّهما لن يتفرّقا حتى يرِدا عليّ الحوض» .
د ـ عددهم إثنا عشر ، يأتون بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ويلون أمر المسلمين واحداً بعد واحد .
هـ ـ إنّهم سبب لعزّة الإسلام والمسلمين ولقوّة شوكتهم .
فمع أخذ هذه الأوصاف بنظر الاعتبار يتّضح أنّ المراد من قوله(صلى الله عليه وآله) : «عترتي أهل بيتي» في الحديث المذكور ـ والذي أوصى المسلمين فيه باتباعهم ـ هو الأئمة الإثنا عشر المعصومون ، الذين يفتخر الشيعة باتّباعهم ، وأخذ الأحكام الفقهيّة عنهم .
السؤال التاسع والعشرون
هل مات أبو طالب على الإيمان حتى تذهبوا لزيارته ؟
الجواب :
أبو طالب ابن عبد المطّلب ، ووالد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعمّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، هو من المؤمنين برسول الله(صلى الله عليه وآله) ورسالته الخالدة ، وكان عوناً له في جميع الشدائد والمشاكل والمعضلات التي واجهته في صدر الإسلام .
عائلة أبي طالب
ولد أبو طالب في بيت البطل المحامي عن التوحيد الإبراهيمي عبد المطّلب(رضي الله عنه). وبأدنى تحقيق في تأريخ الجزيرة العربيّة يرى المتتبّع أنّ عبد المطّلب حامى عن التوحيد الإبراهيمي في أشدّ الظروف ، وأصعب الأيام ، وأخطر المواقف ، فعندما توجّه أبرهة بجيشه العظيم وفِيَلته نحو مكّة المعظمة قاصداً هدم الكعبة ، أغار في طريقه على إبل لعبد المطّلب وأخذها ، فلما بلغ ذلك عبد المطلب ، أتاه واستأذن عليه ، وسأله إطلاق إبله ، فتعجّب أبرهة من طلب عبد المطّلب وقال : «هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه ، وهو يسألني إطلاق إبله ! أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت ، ردّوا عليه إبله» . فقال عبد المطلب لترجمانه : ما قال لك الملك ؟ فأخبره ، فقال عبد المطلب : «أنا ربّ الإبل ، ولهذا البيت ربّ يمنعه»[74] ، وانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر ، وأخذ بحلقة الباب قائلاً :
يا ربّ لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنع منهم حماكا
إنّ عدوّ البيت من عاداكا إمنعهم ان يخربوا فناكا[75]
فهذه الكلمات وأمثالها دليل واضح على توحيده لله سبحانه وتعالى ، وإيمانه به تقدّست أسماؤه ، وثباته عليه ، ولهذا يقول اليعقوبي في تأريخه في شأن عبد المطّلب :
«رفض عبادة الأصنام ، ووحّد الله عزّوجلّ»[76]
ولنلاحظ الآن ما كان يجول في ذهن هذا الأب حول ابنه أبي طالب :
أبو طالب في نظرة عبد المطّلب
يعلم بوضوح من خلال مراجعة طيّات كتب التاريخ أنّ بعض المتنبّئين أخبر عبد المطّلب بمستقبل حفيده محمّد (صلى الله عليه وآله) الزاهر ، كما أخبروه بنبوّته .
فعندما استولى «سيف بن ذي يزن» على حكومة الحبشة
وذلك بعد مولد النبيّ(صلى الله عليه وآله) بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة والمدح وذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه ، فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم واناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء ، فاستأذنوا عليه ، فأذن لهم ، فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه وتكلّم بكلام بليغ ، فبشّره أمير الحبشة بأنه سيبعث قريباً نبيٌّ عظيمُ الشأن من أهلك وعشيرتك ، وأنّه سينشأ في بيتك ، ثمّ شرع في بيان صفاته وأوصافه فقال :
«اسمه محمد ، يموت أبوه واُمّه ، ويكفله جدّه وعمّه»[77]
إلى أن يقول في بيان صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله) :
«يعبد الرحمن ، ويدحض الشيطان ، ويخمد النيران ، ويكسر الأوثان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله»[78]
ثم قال لعبد المطّلب :
«إنّك لجدّه يا عبد المطّلب غير كذب»[79]
فلمّا سمع عبد المطّلب هذه البشارة في حق حفيده سجد لله شكراً ، وقال في بيان حال هذا الولد الميمون :
«نعم أيّها الملك ، إنّه كان لي ابن ، وكنت به معجباً ، وعليه رقيقاً ، فزوّجته كريمة من كرائم قومي ; آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، فجاءت بغلام سمّيته محمداً ، مات أبوه واُمه ، وكفلته أنا وعمّه ، بين كتفيه شامة ، وفيه كلّ ما ذكرت من علامة»[80]
فمن خلال هذا الكلام يتضح أنّ عبد المطّلب كان مطّلعاً على مستقبل ابنه وحفيده ، ولهذا لم يتركه بعد وفاته هكذا ، بل تصدّى لتعيين كفيل له يكفله ويربّيه بعد مماته ، فكفّله خير أولاده أبا طالب .
فمن خلال هذا تتبيّن منزلة أبي طالب عند أبيه الموحّد عبد المطّلب ، وأنّه كان ينظر لولده أبي طالب نظرة إجلال ، وأنّه بمرتبة من الإيمان والصلاح بحيث كان لائقاً لكفالة نبيّ كريم[81]
وإليك فيما يلي الأدلّة الواضحة على إيمان أبي طالب :
أدلّة إيمان أبي طالب:
1ـ الآثار العلميّة والأدبيّة لأبي طالب
نقل العلماء والمؤرّخون الإسلاميون قصائد رائعة عن أبي طالب ، يمكن أن يُتوصَّل من خلالها ومما حَوَته في ثناياها إلى إيمان أبي طالب ، ونحن نكتفي بذكر بعضها :
ليعلم خيار الناس أنّ محمداً نبيّ كموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهدي مثل ما قد أتانا به فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم[82]
وقال أيضاً :
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً رسولاً كموسى خط في أول الكتب
وأنّ عليه في العباد محبّة ولا حيف فيمن خصّه الله بالحبّ[83]
وقال أيضاً :
لقد أكرم الله النبيّ محمداً فأكرم خلق الله في الناس أحمد
وشقّ له من اسمه ليُجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد[84]
وقال أيضاً :
والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتّى اُوسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنّك ناصحي و لقد دعوت وكنت ثَمّ أمينا
ولقد علمت بأن دين محمّد من خير أديان البريّة دينا[85]
وقال أيضاً :
يا شاهد الله عليّ فاشهد أنّي على دين النبيّ أحمد
من شكّ في الله فإنى مهتد
وقال في آخر أيامه موصياً وجوه قريش بالدفاع عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) :
اُوصي بنصر نبيّ الخير أربعة إبني علياً وشيخ القوم عباسا
وحمزة الأسد الحامي حقيقته وجعفراً أن تذودا دونه الناسا
كونوا فداء لكم اُمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا[86]
فكلّ منصف إذا ما شاهد هذه الآثار والأبيات الشعرية التي تفصح عن عقيدة قائلها بصراحة تامّة ، يتبيّن له صحّة ما تعتقد به الشيعة من إيمان أبي طالب ، ويتأسف ويتألّم للتُّهم الباطلة والعارية عن الأساس التي وجّهها بعض الكتّاب بدوافع سياسيّة لمؤمن قريش وعم النبيّ(صلى الله عليه وآله) الذي نصره أوائل البعثة في أشدّ الأحوال ، وعند قلّة الناصر والمعين .
2ـ سيرة ومعاملة أبي طالب مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) دليل على إيمانه
نقل جميع المؤرخين الإسلاميين مواقف دفاع أبي طالب عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والتي لا نرى لها نظيراً في التاريخ الإسلامي ، وهي أدلّة واضحة على رسوخ عقيدته الصحيحة في النبيّ(صلى الله عليه وآله) . فتحمّل أبو طالب عناء المحاصرة والتشريد والعيش في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنين ، ورجح العيش إلى جانب النبيّ(صلى الله عليه وآله) في ذلك الشعب على رئاسة قريش ، وبقي مع المسلمين في ذلك الشعب وتحمّل عناء تلك المصاعب إلى أن تمّت المحاصرة الاقتصادية[87]
مضافاً إلى ما ذكر فإنّ أبا طالب حثّ ابنه عليّاً(عليه السلام) على أن يتابع رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأن يلازمه في تمام تلك الأوقات والحالات الشديدة التي كانت تواجه النبيّ(صلى الله عليه وآله)في صدر الإسلام .
فروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة أنّ أبا طالب قال لعليّ(عليه السلام) :
«يا بني ، إلزمه ، فإنّه لن يدعوك إلاّ إلى خير»[88]
فمن الواضح أنّ هذه الخدمات الجليلة من أبي طالب للنبيّ(صلى الله عليه وآله) وتضحياته من أجله ومن أجل الإسلام أبرز دليل على إيمانه .
ومن هنا أنشأ ابن أبي الحديد في بيان الدور المهم لأبي طالب في الذبّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله :
ولو لا أبو طالب وابنه لما مثل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب جسّ الحماما
تكفل عبد مناف بأمر وأودى فكان علي تماما
فقل في ثبير مضى بعدما قضى ما قضاه وأبقى شماما
فللّه ذا فاتحاً للهدى ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضرّ مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامى
كما لا يضرّ إياب الصبا ح من ظن ضوء النهار الظلاما[89]
3 ـ وصيّة أبي طالب دليل على إيمانه
نقل المؤرخون المسلمون كالحلبي الشافعي في سيرته ، ومحمّد الدياربكري في تأريخ الخميس ، وغيرهما وصيّة أبي طالب ، فعن الكلبي قال :
«لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم ، فقال: يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب... وإنّي اُوصيكم بمحمّد خيراً; فإنّه الأمين في قريش، والصدّيق في العرب... دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلاّ رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد، ولو كان لنفسي مدّة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي»[90]
4 ـ حبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأبي طالب شاهد على إيمانه
جلّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عمّه أبا طالب في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة ، أسفر فيها عن حبّه لعمّه ، إليك فيما يلي نموذجان منها :
أ ـ روى بعض المؤرخين أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال لعقيل بن أبي طالب :
«أنا اُحبّك يا عقيل حبّين ; حبّاً لك وحبّاً لأبي طالب لأنه كان يحبّك»[91]
ب ـ روى الحلبي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال في عمّه أبا طالب :
ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب[92]
ومن الواضح أنّ حبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأبي طالب وتجليله إياه دليل واضح على إيمانه ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يحبّ إلاّ المؤمنين ، وأما الكفّار فهو غليظ شديد عليهم كما صرّح بذلك الذكر الحكيم بقوله عزّ من قائل :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [93]
وقال في موضع آخر :
لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمانَ [94] .
فمع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات المذكورة وقرنها إلى حب النبيّ(صلى الله عليه وآله) لإبي طالب لا يبقى مجال للترديد والشك في أنّ أبا طالب كان في مرتبة عالية من الإيمان .
5 ـ شهادة صحابة النبيّ(صلى الله عليه وآله)
شهد بإيمان أبي طالب جملة من الصحابة نذكر بعضهم فيما يلي :
أ ـ روي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان جالساً في الرحبة والناس حوله ، فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله فيه وأبوك معذّب في النار ! فقال له :
«مه ، فضّ الله فاك ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً ، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله تعالى فيهم»[95]
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في موضع آخر :
«كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه ، مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش»[96]
فكلام الإمام هذا يدلّ على أنّ أبا طالب كان في درجة عالية من الإيمان ، بل كان من الأولياء الذين لهم الشفاعة للمذنبين .
ب ـ يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري(رضي الله عنه) في حق أبي طالب :
«والله الذي لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب حتى أسلم»[97]
ب ـ روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطّلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة :
«انّ أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله»[98]
6 ـ أبو طالب في نظرة أهل البيت (عليهم السلام)
صرّح جميع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بإيمان أبي طالب الراسخ ، ودافعوا في المناسبات المختلفة عن هذا المحامي الناصر لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ونحن نكتفي بذكر مثالين منها ، هما :
أ ـ قال الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) :
«لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الاُخرى لرجح إيمانه»[99]
ب ـ روى إمامنا الصادق جعفر بن محمّد عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال :
إنّ اصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين[100]
فاتّضح من خلال الأدلّة المذكورة أنّ أبا طالب يتمتع بالمقامات التالية :
1ـ إيمان قوي وراسخ بالله ورسوله(صلى الله عليه وآله) .
2ـ المؤازرة والنصرة للرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) ، والدفاع عنه في سبيل الإسلام .
3ـ حبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) إياه .
4ـ له حقّ الشفاعة عند الله يوم القيامة .
وبهذا اتّضح وهن وبطلان التُّهم الموجّهة لأبي طالب من جانب . كما تنجلي الأستار والحجب عن الحقيقتين التاليتين :
1ـ أنّ إيمان أبي طالب كان مرضياً عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وعند أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت ، بل وصحابة رسول الله .
2ـ أنّ الاتّهامات الموجّهة لأبي طالب عارية عن الصحة ، فاقدة للأساس ، وأنّ السبب الرئيسي في وجودها هو الأهداف السياسيّة ، وبتحريك من اُمراء الدولتين الاُموية والعباسيّة ، حيث كانوا يجهرون بالعداء لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)وذريته الطاهرة (عليهم السلام) .
وفي هذا المقام نستعرض لك أبرز مصداق استُعمل في هذا المجال بتسقيط شخصيّة هذا المحامي للرسول أبي طالب ، والمعروف والمشهور بحديث الضحضاح ، ليتبيّن لك بعد التحليل الذي نجريه عليه ـ وفقاً لما ورد في القرآن الكريم والمسلّم من السنّة النبوية الشريفة ، والأدلّة العقليّة الواضحة ـ بطلانه وفقدانه للأساس .
تحليل حديث الضحضاح
نقل بعض الكتّاب والمؤلّفين ـ كالبخاري ومسلم ـ روايتان عن مثل «سفيان بن سعيد الثوري» ، و «عبد الملك بن عمير» ، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد» ، فنسبوها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والروايتان هما :
أ ـ فروى مسلم في صحيحه :
«سمعت العباس يقول قلت : يا رسول الله ، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : نعم ، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح»[101]
ب ـ وروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال :
«لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه ، يغلي منه اُمّ دماغه»[102]
فهذا الحديث المفترى وإن كان واضح البطلان ; لما تقدّم من الأدلّة الدالّة على إيمان أبي طالب ، لكنّنا مع ذلك سنتعرض للبحث عن هذا الحديث ، وسنبحث ذلك ضمن نقطتين :
أ ـ ضعف أسانيده .
ب ـ مخالفته للكتاب العزيز والسنّة النبويّة الشريفة .
ضعف أسانيد حديث الضحضاح
كما اتّضح مما سبق أنّ رواة حديث الضحضاح هم :
«سفيان بن سعيد الثوري» ، و «عبد الملك بن عمير» ، و «عبد العزيز بن محمّد الدراوردي» و «ليث بن سعد» .
وسنبحث أحوال هؤلاء الرواة وأقوال الرجاليين من أهل السنّة فيهم ، كي يتبين لك حالهم .
أ ـ سفيان بن سعيد الثوري :
قال الرجالي المعروف بين أهل السنّة أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي :
«كان يدلّس عن الضعفاء»[103]
فهذا الكلام دليل واضح على وجود التدليس في روايات سفيان ، مما يسقط أحاديثه عن الاعتبار .ب ـ عبد الملك بن عمير :
قال الذهبي في شأنه :
؟ ؟ «طال عمره ، وساء حفظه . قال أبو حاتم : ليس بحافظ ، تغيّر حفظه . وقال أحمد : ضعيف ، يخلّط . وقال ابن معين : مخلّط . وقال ابن خراش : كان شعبة لا يرضاه . وذكر الكوسج عن أحمد : أنّه ضعّفه جدّاً»[104]
فمن مجموع هذا الكلام يستفاد أنّ عبد الملك بن عمير كان متّصفاً بالصفات التالية :
أ ـ عدم الحفظ والنسيان .
ب ـ ضعيف (وهو ـ في علم الرجال ـ من لا يمكن الاعتماد على روايته) .
ج ـ كثير الخطأ .
د ـ مخلّط (وهو من يخلط الحديث الصحيح بغيره) .
ومن الواضح أنّ كل صفة من هذه الصفات كافية لتضعيف أحاديث هذا الرجل ، مع أنّه اجتمعت فيه تمام هذه الصفات .
عبد العزيز بن محمد الدراوردي :
وصفه علماء الرجال من أهل السنّة بعدم الحفظ ، والنسيان ، وبعدم إمكان الاحتجاج برواياته ; قال أحمد بن حنبل :
«إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل»[105]
وقال أبو حاتم :
«لا يحتجّ به»[106]
وقال أبو زرعة :
«سيّئ الحفظ»[107]
د ـ الليث بن سعد :
من خلال مراجعة كتب الرجال لعلماء أهل السنّة يعلم أنّ جميع من اسمه «ليث» من الرواة فهو مجهول أو ضعيف فلا يمكن الاعتماد والاستدلال بأحاديثهم .
وليث بن سعد هو أحد الضعفاء والمتساهلين في الشيوخ وفي سماع الحديث ، قال يحيى بن معين :
«كان يتساهل في الشيوخ والسماع»[108]
واعتبره النباتي أيضاً من الضعفاء ; حيث ذكره في تذييله على الكامل والذي يختصّ بذكر الضعفاء[109]
فيعلم مما ذكرناه أنّ رواة حديث الضحضاح في غاية الضعف ، ولا يمكن الاعتماد على روايتهم .
عدم موافقة حديث الضحضاح للكتاب والسنّة
في هذا الحديث نسب إلى الرسول(صلى الله عليه وآله) أنّه قال إن أبا طالب «في غمرات من النار» «في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه» ، أو رجا بلوغ شفاعته له بقوله : «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة » ، والحال أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة خصّت الشفاعة بالمؤمنين والمسلمين ، فإذا كان أبو طالب كافراً فكيف يرجو رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلوغ شفاعته إليه وتخفيف عذابه !
وبهذا يتبيّن وهن محتوى هذا الحديث بناء على قول من يرى كفر أبي طالب .
والآن نستعرض لك الأدلة الدالة على عدم الشفاعة للكافر سواء من الكتاب أو من السنة ، وهي :
أ ـ قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم :
) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور ([110]
ب ـ نفت السنّة النبوية الشفاعة للكفار ، فروى ابن أبي شيبة في «المصنّف» ، وعمرو بن أبي عاصم في كتاب «السنّة» عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال :
«اُعطيت الشفاعة ، وهي نائلة من لم يشرك بالله شيئاً»[111]
فعلى هذا الأساس يكون حديث الضحضاح ـ بناء على قول من يعتقد كفر أبي طالب ـ عارياً عن الصحّة ومخالفاً لكتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله) .
النتيجة :
على ضوء ما مر تبين أنّ حديث الضحضاح فاقد للاعتبار سنداً ومتناً ، فلا يمكن الاستدلال به . وبهذا ينهار أقوى دليل يعتمد عليه من يخدش بشخصيّة أبي طالب ، ويشرق بذلك وجه مؤمن قريش أبي طالب ليقشع ظلام الافتراء والفتنة .
[1] الحجر : 72 .
[2] الشمس : 1 ـ 8 .
[3] النجم : 1 .
[4] القلم : 1 .
[5] العصر : 1 و 2 .
[6] الفجر : 1 و 2 .
[7] الطور : 1 ـ 6 .
[8] مسند احمد: ج 5، ص 225. المعجم الكبير للطبراني: ج 2 ، ص 44 . السنن الكبرى للبيهقي: ج 10، ص 76
[9] صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 93 . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 115 .
[10] نهج البلاغة ، الخطبة 166 .
[11] نهج البلاغة ، الكتاب 9 .
وللاطّلاع على نماذج ومصاديق اُخرى راجع الخُطب : 168 و 182 و 187 والكتب : 6 و 54 .
[12] صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 98 . صحيح مسلم ، ج 5 ، ص 81 . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 91 . السنن الكبرى ، ج 10 ، ص 28 .
[13] لسان العرب : ج 11 ، ص 724 .
[14] المائدة : 35 .
[15] الدر المنثور ، ج 2 ، ص 280 .
[16] يوسف ( ع) : 97 و 98 .
[17] في المصدر : «فتقضى» والصحيح ما أثبتناه طبقاً لما في سنن ابن ماجة .
[18] مسند أحمد بن حنبل ، ج 4 ، ص 138 . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 441 .
[19] المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، ج 1 ، ص 526 و 527 وفي ذيل أولهما تتمّة هي : «فدعا بهذا الدعاء ، فقام وقد أبصر» وفي ذيل الثاني : «قال عثمان : فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنّه لم يكن به ضرّ قط» .
[20] سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 442 .
[21] انظر : ج 5 ، ص 229 .
[22] التوصّل إلى حقيقة التوسّل : ص 158 (طبع بيروت) .
[23] صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 16 .
[24] المعجم الكبير للطبراني ، ج 7 ، ص 94 . المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 610 .
[25] الصواعق المحرقة ، ص 178 . ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي ، ج 2 ، ص 468 .
[26] الشورى : 23 .
[27] الأعراف : 157 .
[28] الشرح : 4 .
[29] المائدة : 114 .
[30] تاريخ الخميس ، ج 1 ص 223 (طبع بيروت) .
[31] اقتباس من كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» ، كتاب الصلاة ، الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً .
[32] مسند أحمد بن حنبل ، ج 1 ، ص 221 .
[33] مسند أحمد بن حنبل ، ج 1 ، ص 251 .
[34] كتاب الموطأ ، ج 1 ، ص 144 ، ح 4 .
[35] كتاب الموطأ ، ج 1 ، ص 143 ، ح 2 .
[38] كتاب الموطأ ، ج 1 ، ص 145 ، ح 5 .
[39] كتاب الموطأ ، ج 1 ، ص 145 .
[40] شرح الزرقاني على الموطأ : ج 1 ، ص 294 ، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر .
[41] المصدر السابق : ص 294 .
[42] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 151 .
[43] المصدر السابق ، ذيل الحديث .
[44] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 152 .
[45] المصدر السابق ، ذيل الحديث .
[46] انظر صحيح البخاري ج 1 ، ص 110 ، كتاب الصلاة .
[47] صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 137 .
[48] صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 141 .
[49] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 153 .
[50] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 151 .
[51] صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 152 .
[52] كتاب الموطأ ، ج 1 ، ص 145 .
[53] كنز العمال ، ج 8 ، ص 246 ، ح 22764 .
[54] كنز العمال ، ج 8 ، ص 247 ، ح 22771 .
[55] كنز العمال ، ج 8 ، ص 247 ، ح 22769 .
[56] كنز العمال ، ج 8 ، ص 248 ، ح 22777 .
[57] الفقه على المذاهب الأربعة ، كتاب الصلاة ، الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً .
[58] الكافي ، ج 1 ، ص 69 ، ح 3 .
[59] الكافي ، ج 1 ، ص 69 ، ح 5 .
[60] الكافي ، ج 1 ، ص 69 ، ح 2 .
[61] الكافي ، ج 1 ، ص 70 ، ح 8 .
[62] الكافي ، ج 1 ، ص 70 ، ح 6 .
[63] بصائر الدرجات ، ص 320 .
[64] الكافي ، ج 1 ، ص 53 ، ح 14 .
[65] وسائل الشيعة ، ج 81 ، ص 69 ، ح 67 .
[66] سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 328 ، ح 3874 .
[67] سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 329 ، 3876 .
[68] صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 122 .
[69] المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 148 . الصواعق المحرقة ، ص 149 ، الباب 11 ، الفصل الأول .
وروي هذا المضمون في كتب اُخرى منها : مسند ابن حنبل ، ج 5 ، ص 182 و 189 . كنز العمال ، ج 1 ، ص 44 ، باب الاعتصام بالكتاب والسنّة .
[70] صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 123 .
[71] صحيح مسلم ، ج 6 ، ص 3 .
[72] صحيح مسلم ، ج 6 ، ص 3 .
[73] نهج البلاغة ، الخطبة 144 .
[74] الكامل لابن الأثير ، ج 1 ، ص 261 .
[75] المصدر السابق .
[76] تأريخ اليعقوبي ، ج 2 ، ص 7 (طبع النجف) .
[77] السيرة الحلبيّة ، ج 1 ، ص 136 و 137 (طبع مصر) .
[78] المصدر السابق .
[79] المصدر السابق .
[80] المصدر السابق .
[81] لتفصيل وإيضاح ما ذكرناه بشكل أكثر راجع السيرة الحلبيّة ، ج 1 ، ص 134 (طبع مصر) . والسيرة النبوية لابن هشام ، ج 1 ، ص 189 . وكتاب «أبو طالب مؤمن قريش» ص 109 (طبع بيروت) . والطبقات الكبرى ج 1 ، ص 117 (طبع بيروت) .
[82] الحجة ، ص 57 . ونحوه في المستدرك على الصحيحين ، ج 2 ، ص 623 .
[83] تأريخ ابن كثير ، ج 1 ، ص 42 . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 72 .
[84] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 78 . تاريخ ابن عساكر ، ج 1 ، ص 275 ، تاريخ ابن كثير ، ج 1 ، ص 266 . تاريخ الخميس ، ج 1 ، ص 254 .
[85] خزانة الأدب ، ج 1 ، ص 261 . تاريخ ابن كثير ، ج 3 ، ص 42 . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 55 . فتح الباري ، ج 7 ، ص 153 ـ 155 . الإصابة ، ج 14 ، ص 116 . ديوان أبي طالب ، ص12 .
[86] متشابهات القرآن (ذيل تفسير الآية ) وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ( ) . الغدير ، ج 7 ص 342 .
[87] للاطلاع أكثر راجع المصادر التالية : السيرة الحلبيّة ، ج 1 ، ص 134 . تاريخ الخميس ، ج 1 ، ص 253 ـ 254 . السيرة النبويّة لابن هشام ، ج 1 ، ص 189 . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 52 . تاريخ اليعقوبي ، ج 2 . الإصابة ، ج 4 ، ص 115 . الطبقات الكبرى ، ج 1 ، ص 119 .
[88] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 13 ، ص 272 .
[89] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 84 .
[90] تاريخ الخميس ، ج 1 ، ص 300 . السيرة الحلبيّة ، ج 1 ، ص 391 . روضة الواعظين للفتال النيسابوري ، ص 140 .
[91] تاريخ الخميس ، ج 1 ، 163 . الاستيعاب ، ج 2 ، ص 509 .
[92] السيرة الحلبيّة ، ج 1 ، 391 . الأعلام للزركلي ج 4 ، ص 166 . سبل الهدى والرشاد ، ج 2 ، ص 435 .
[93] الفتح : 29 .
[94] المجادلة : 22 .
[95] الحجة ، ص 24 . مئة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ، ص 174 .
[96] وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 481 . الحجة ، ص 24 .
[97] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 71 . شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ، ج 2 ، ص 298 .
[98] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 71 . بحار الأنوار ، ج 35 ، ص 158 .
[99] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 14 ، ص 68 .
[100] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 14 ، ص 70 . الكافي ، ج 1 ، ص 448 ، ح 28 وفيه : «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ; أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين» .
[101] صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 135 . المستدرك على الصحيحين ، ج 4 ، ص 581 .
[102] صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 202 .
[103] ميزان الاعتدال ، ج 2 ، ص 169 .
[104] ميزان الاعتدال ، ج 2 ، ص 660 .
[105] ميزان الاعتدال ، ج 2 ، ص 633 .
[106] المصدر السابق .
[107] المصدر السابق .
[108] ميزان الاعتدال ، ج 3 ، ص 423 .
[109] ميزان الاعتدال ، ج 3 ، 423 .
[110]فاطر : 36 .
[111] المصنف لابن أبي شيبة ، ج 7 ، ص 432 ، ح 104 . كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ، ص 359 ، ح 803 .