الفصل الثاني |
يقول سلمان الفارسي:
كان والدي فلاحاً في قرية (دجي) في مدينة اصفهان(1) وكان يحبني كثيراً كنا على الديانة المجوسية ولا علم لنا ببقية الديانات.
وفي أحد الايام امرني والدي أن أذهب الى مزرعته فمررت في طريقي بكنيسة فيها اناس يتعبدون, ولكي اطلع عليهم اكثر دخلت الى الكنيسة فرأيتهم منشغلين بالدعاء والتضرع الى الله فاعجبني حالهم فبقيت هناك الى المغرب ولم اذهب الى المزرعة. ففكرت في نفسي وقلت ان دين هؤلاء افضل من دين آبائنا بعد ذلك رجعت الى المنزل.
فسألني والدي: اين كنت ولماذا تأخرت؟
قلت: ذهبت الى الكنيسة فنظرت الى عبادتهم وتضرعهم ففكرت مع نفسي وقلت ان دين هؤلاّء افضل من دين آبائنا.
فقال والدي: بل دين آبائك أفضل.
قلت لـه: لا ان دينهم افضل انهم يعبدون الله وانتم تعبدون النار التي اضرمتموها بايديكم تنطفأ اذا تركتموها فانزعج والدي من كلامي فحبسني ووثّق رجلي بالسلاسل.
فارسلت خبراً الى المسيحيين باني دخلت في دينهم فاين مركز هذا الدين؟
قالوا لي: في الشام.
قلت: اذن اذا جاءت قافلة من الشام وارادت ان ترجع فابلغوني كي اذهب معها الى الشام.
وفعلاً عندما جاءت قافلة من الشام اخبروني بذلك فهربت من والدي والتحقت بالقافلة وذهبت معهم الى الشام.
قال: سألت: من هو افضل عالم مسيحي؟
قالوا: الاسقف مسؤول الكنيسة.
فذهبت اليه وقلت له: اريد البقاء معك لتعلمني وتربيني.
فوافق الاسقف على ذلك فبقيت عنده فترة اتعلم منه, كان الاسقف هذا يحب الدنيا ولم أكن مقتنعاً به حتى مات.
حلّ مكانه شخص آخر لكن هذه المرّة الاسقف انسان زاهد متقي فبقيت عنده مدة ايضاً حتى توفي بعد فترة قصيرة.
وقبل وفاته طلبت منه ان يرشدني الى شخص ارجع اليه بعده فقال لي: يابني! اني اعرف عالماً في الموصل اذهب اليه بعدي!
فذهبت الى ذلك العالم في الموصل وقلت له:
لقد بعثني اليك فلان, فبقيت عنده حتى توفي.
قلت: بمن توصيني بعد وفاتك؟
قال: يابني! اني لااعرف احداً غير رجل صالح في نصيبين فاذهب اليه بعد وفاتي!
فذهبتُ بعد وفاته الى نصيبين فوجدت الرجل عالماً صالحاً فبقيت عنده حتى قربت وفاته فاوصاني ان اذهب الى عالم في عمورية (احدى مدن الشام) فذهبت اليه فكان هذا ايضاً عالماً صالحاً فبقيت عنده حتى قربت وفاته فطلبت منه أن يرشدني الى شخص بعده؟
قال: لاأعرف مَنْ هو مثلي لكن سرعان ما يظهر نبي في جزيرة العرب من أهل مكة يُهاجر الى ارض مغطاة بالنخيل تقع بين صحرائين كبيرتين (المدينة) ومن علامات النبوة عليه:
منقوش بين منكبيه بمهر النبوة .
يقبل الهدية ويأكل منها.
لاياخذ الصدقة .
فبهذه العلامات تعرفه فاوصل نفسك اليه!
بعد وفاة هذا العالم التقيت بقافلة تريد الذهاب الى جزيرة العرب فقلت لهم: أهب لكم جميع اموالي بشرط أن تصحبوني معكم!
فقبلوا بذلك. لكن غدروا بي في الطريق وباعوني عبداً على يهودي فاخذني معه الى مزرعة نخيله, فمكثت عنده بامل أن هذا المكان هو المكان الموعود لكن بعد مدة تبين أنه ليس هو, بعد ذلك اشتراني يهودي من بني قريظة واخذني معه الى المدينة. فعندما دخلنا المدينة عرفتها بواسطة تلك العلامات التي اعطاني اياها ذلك العالم, لذلك قمت اعمل في مزرعة النخيل لليهودي وبقيت انتظر ظهور النبي محمد(ص) . بعد مدة سمعت بظهور نبي في مكة.
ولاني كنت عبداً لم استطع التحقيق في الموضوع, فبقيت انتظر حتى هاجر النبي (ص) مع بعض اصحابه الى المدينة ونزلوا في (قبا).
يقول سلمان:
اخذت معي طعاماً في الليل بخفية وخرجت من بيت سيّدي فالتقيت بالنبي (ص) في قبا.
فقلت: سمعت أنك رجل صالح وقد هاجرت مع بعض اصحابك وقد جئتكم بطعام صدقة فهل تقبلونه مني؟
فقال النبي(ص) لاصحابه: كلوا منه ولكنه لم يأكل.
فقلت مع نفسي: هذه احدى علائمه انه لاياكل من الصدقة.
ثم رجعت الى البيت والنبي (ص) دخل الى المدينة فرجعت مرة ثانية بطعام وقلت: وجدتك لم تأكل من الصدقة وقد جئتك بهدية فقدمتها اليه فاكل منها هو واصحابه.
فقلت وهذه علامة ثانية.
فرجعت مسروراً الى البيت. فصرت اطلب العلامة الثالثة فذهبت الى النبي (ص) مرة اخرى وكان قد خرج مع اصحابه في تشييع جنازة.
كان يلبس عباءتين: يرتدي أحداهما والاخرى ملقاة على منكبيه فأخذت أدور حول النبي (ص) لأرى العلامة التي بين منكبيه فلما انتبه الي رفع العباءه من على منكبيه فرأيت العلامة كما قيل لي فالقيت بنفسي على قدمية واخذت اقبلهما وابكي فدعاني رسول الله (ص) اليه فجلست الى جانبه فطلب مني أن اقص على اصحابه ماجرى عليّ فذكرت لهم قصة حياتي كلها ومن ذلك الوقت دخلت الاسلام.
و بما اني كنت عبداً لذلك لم استطع القيام بالتكاليف الشرعية بحرية, وبأمر من رسول الله (ص) اتفقت مع سيدي ان اشتري نفسي منه, وبفضل الله ومساعدة المسلمين تمكنت ان أحرّر نفسي وان كنت لم استطع ان اشارك في معركة بدر لاني كنت عبداً ولكني شاركت في معركة الخندق وبقية المعارك(2).
سأل شخص من ابي ذر (ره): مالنا نكره الموت؟
قال: لانكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من عمران الى خراب.
فسألوه: كيف ترى قدومنا على الله؟
قال: اما المحسن فكالغائب يقدم على أهله واما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.
فقيل له: كيف ترى حالنا عند الله؟
قال: اعرضوا اعمالكم على كتاب الله تبارك وتعالى ان الله تعالى يقول: ]ان الابرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم[
قال شخص منهم: اذا كان كذلك فأين رحمة الله؟
قال ابوذر: ان رحمة الله قريب من المحسنين(3).
كان لهارون الرشيد طبيباً نصرانياً متخصصاً فقال الطبيب لعلي بن الحسين الواقدي:
ليس في كتابكم شيء من الطب! مع أن العلم علمان علم الاديان وعلم الابدان.
فاجابه علي بن الحسين الواقدي ــ العالم الاسلامي ــ :
لقد جمع الله علم الطب في نصف آية وهي قوله تعالى ]كلوا واشربوا ولاتسرفوا[ وقد جمعه رسول الله (ص) في جملة واحدة: ( المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء...).
فقال الطبيب النصراني:
لم يبقِ قرآنكم ونبيكم شيئاً من طب جالينوس ــ حكيم يوناني ــ لم يبيناه(4)!
كان اغلب اهل العراق شيعة لاميرالمؤمنين علي (ع) لذلك ولّى معاوية عليهم عبيدالله بن زياد وامره أن يلاحق شيعة علي (ع) خلف كل حجر ومدر ويبعث بهم الى معاوية ليقتلهم باشنع قتل.
امر يوماً أن ياتوه برشيد الهجري احد اصحاب اميرالمؤمنين (ع) المخلصين. فبقي رشيد الهجري بعد اصدار هذا الامر مختفياً.
وفي أحد الايام كان ابو اراكه جالسا مع جماعة في فسحة داره فدخل رشيد الهجري الى بيت ابي اراكه فخاف ابو اراكه وفزع وقام وتبعه الى داخل البيت وقال له:
ويحك! قتلتني وأيتمت ولدي واهلكتهم
فسأله رشيد: و ماذاك؟
فقال ابواراكه: لان شرطة عبيدالله يلاحقونك وقد دخلت داري فلربما رأوك وبّلغوا عنك.
فقال رشيد: لاتقلق! لم يرني أحد منهم
فتضجر ابواراكة من سماع هذا الجواب وقال: اتسخر مني؟
فالقى القبض على رشيد وشد يديه الى الخلف وحبسه في الغرفة ورجع الى اصحابه وقال :
انه خيل الي أن رجلاً شيخاً دخل الى داري آنفاً
فقالوا: نحن لم نر أحداً.
فاعاد ابواراكة سؤاله مرة ثانية فقالوا له:
لم نر احداً دخل الى بيتك.
فسكت ابو اراكة ولم يقل شيئاً.
لكنه بقي خائفاً أن يراه احد ويبلغ عنه.
و لكي يتأكد ذهب الى مجلس زياد ليرى ما اذا عرفوا أن رشيد في بيته ام لا؟ فان كانوا عرفوا ذلك يسلّمه لهم فدخل المجلس وسلم وجلس وانشغل بالكلام.
فبينما هم كذلك اذ جاء رشيد وهو راكب على بغلة ابي اراكة فما ان رآه ابو اراكة أنخطف لونه ويئس من الحياة وتجسم الموت أمام عينيه.
فنزل رشيد وسلم على زياد فقام لـه زياد احتراماً وتقديراً واحتضنهُ وارفق به وسأله عن كيفية قدومه؟ وعن حال من تركهم هناك؟ كيف قضيت السفر؟ ثم مسح برفق على محاسنه.
فجلس رشيد قليلاً ثم قام وذهب.
فسأل ابواراكة من زياد: اصلح الله الامير من هذا الشيخ؟
أجاب زياد: هذا اخ من اخواننا من اهل الشام وهو من اصحابنا قدم علينا زائراً.
فخرج ابو اراكة من مجلس زياد فلما رجع الى منزلـه وجد رشيد على نفس الحال التي تركه عليها يداه موثقتان وباب الغرفة مسدود عليه فقال لـه متعجباً:
أما اذا كان عندك من العلم كل ما ارى فاصنع ما بدالك وادخل علينا كيف شئت(5).
استعد المسلمون لمعركة أحد. وكان لعمرو بن جموح اربعة اولاد ابطال مستعدين للحرب في ركاب رسول الله (ص) امّا عمرو فكان رجلاً أعرجاً لايستطيع القتال. فلما رأى المقاتلين يتهيأون الى المعركة تحركت مشاعره واحساساته الرجولية والدينية فصمم أن يشارك في المعركة لبس لباس الحرب وتهيأ للتحرك نحو أحد.
قال له بعض اقاربه:
ان الله لم يوجب الجهاد عليك وانت شيخ كبير واعرج, فالافضل أن تبقى في المدينة! ويكفيك ابنائك الذين ترسلهم الى المعركة.
فقال عمرو:
أفهل يجوز للمسلمين ان يذهبوا الى ساحة المعركة وينالوا الشهادة واناأحرم من ذلك؟
واخيراً لم يستطيعوا أن يصرفوا هذا الرجل العظيم عن المعركة فاتفقوا ان يذهبوا الى رسول الله (ص)و يخبروه ويحولوا دون مراده.
فجاء عمرو الى رسول الله (ص) وقال:
يارسول الله! اريد أن اشارك مع المسلمين في المعركة كي انال الشهادة ولكن اقربائي يمانعون من ذهابي وانا أحب ان ادخل الجنة برجلي العرجاء هذه.
قال رسول الله (ص):
انت معذور والجهاد ليس واجبا عليك.
ثم قال (ص) لاقرباء عمرو:
وان لم يكن الجهاد واجبا عليه الاّ أنه لايحق لكم منعه فاتركوه يختار بنفسه لعله ينال الشهادة في الحرب.
فخرج عمرو من عند رسول الله (ص) مسروراً فودع أهله واقربائه واتجه نحو المعركة ورفع يديه بالدعاء قائلاً:
(اللهم لا تردني الى اهلي وارزقني الشهادة) فقاتل قتال الابطال حتى رزق الشهادة مع أحد اولاده.
وبعد أن انتهت المعركة جاءت زوجة عمرو لتحمل جنازة زوجها وابنها فرأت أخاها شهيداً ايضاً فحملت الجنائز على بعير وانطلقت بها نحو المدينة لتدفنهم في مقبرة البقيع.
فلما قطعت مسافة توقف البعير عن الحركة نحو المدينة ولكن اذا وجهته نحو منطقة أُحُد فانه يمشي بسرعة, وتكرر ذلك عدة مرّات فلم تفهم زوجة عمرو معنى ذلك فجاءت الى رسول الله (ص) واخبرته بالامر.
قال رسول الله (ص).
ان الجمل مامور! فعندما خرج زوجك من المدينة ألم يقل شيئاً؟ او دعا بشيء؟
قالت: نعم يارسول الله! فعندما اراد الذهاب الى احد قال: (اللهم لاتردني الى اهلي وارزقني الشهادة).
فقال رسول الله (ص):
لقد استجاب الله دعاءه ولهذا فان الجمل لايأتي بجنازته الى المدينة فامر رسول الله (ص) أن يحملوا الجنائز الى احد ثم التفت رسول الله (ص) الى المسلمين وقال:
ان فيكم اناساً لو اقسمتم على الله بهم لاستجاب لكم وعمرو بن جموح أحدهم.
فحملوا الجنائز الى أحد ودفنوها وقبل ذلك وقف رسول الله في قبورهم ثم خرج وقال: سيكونون معاً في الجنة.
فطلبت زوجة عمرو من رسول الله (ص) أن يدعولها أن تكون معهم في الجنة فدعا لها رسول الله (ص) بذلك(6).
كان المتوكل من اسوء خلفاء بني العباس. فهو الخليفة الوحيد الذي اساء لمقام الزهراء (ع) وقد ذكروا أن سبب قتله هو ذلك.
سمع المنتصر يوماً أن اباه المتوكل يسب فاطمة الزهراء (ع) فسأل من الامام(ع):
ما جزاء من ينال من فاطمة (ع) ؟
اجابه الامام:
يُقتل، و لكن اعلم ان من يقتل اباه يقصر عمره
قال المنتصر: انا لا أتأسف على قصر عمري اطاعة لامر الله.
فقتل المنتصر اباه المتوكل ولم يبق بعده اكثر من سبعة عشر شهراً(7)
قال معاوية يوماً لعمرو بن العاص:
ياعمرو! أينا ادهى؟
فقال عمرو: انا رجل حذر وأنت ذكي
فقال معاوية: قلت لصالحي, لاني أكثر منك حذراً ايضاً.
فقال عمرو: اين دهائك يوم رفعت القرائين على رؤوس الرماح؟
قال معاوية: لقد غلبتني ذلك اليوم وقد مضى والآن اريد أن اسأل منك شرط ان تجيبني بصدق .
قال عمرو: والله الكذب قبيح! فلااكذب فاسأل مابدا لك ساجيبك بصدق
قال معاوية: منذ صاحبتني هل احتلت علي يوماً؟
قال عمرو: لا! ابداً!
قال معاوية: نعم! ولكنك احتلت علي في ساحة المعركة.
قال عمرو: اين؟
قال معاوية: يوم دعاني علي بن ابي طالب للبراز, فاستشرتك وطلبت رأيك هل ابرز لقتال علي ام لا؟ فقلت لي انه رجل صنديد واشرت عليّ أن ابرز لقتاله, مع انك تعرفه جيداً فهنا احتلت علي.
قال عمرو: يامعاوية لقد دعاك رجل صنديد للبراز. فانت بين احدى المنيين, اما ان تقتله فتصبح للبراز بطلاً صنديداً لامنازع لك او يقتلك فتلحق بالشهداء والصالحين.
فقال معاوية: ياعمرو هذه اسوء من الاولى لاني والله اعلم باني لو قتلت عليا لدخلت النار ولو قتلني علي لدخلت النار.
قال عمرو: ولم َ لم ْتبرز له؟
اجابه معاوية: الملك عقيم.
ثم قال: يا عمرو لايسمع هذا الكلام غيرنا(8).
عندما استولى المختار على الكوفة ألقى القبض على عمربن سعد واعطاه المختار الامان مؤقتاً على أن لايخرج من الكوفة فان خرج منها فدمه هدر.
جاء حفص بن عمر بن سعد يوماً الى المختار وقال: ان ابي يقول: هل ستعمل بالامان الذي اعطيته لي؟
قال المختار له: اجلس !
ثم بعث المختار ابا عمرة خفية وامره ان يقتل عمر بن سعد في داره وياتي برأسه فلما رجع ابوعمرة بالرأس، رأى حفص رأس ابيه فقال: انالله وانا اليه راجعون.
فقال له المختار: هل تعرف هذا الرأس؟
قال حفص: نعم! ولاخير بالعيش بعده.
قال المختار: نعم! وبعده لاتعيش انت. فامر بقتله.
ثم قال: لايقاس عمر بالحسين وحفص بعلي الاكبر والله سأقتل سبعين الف رجل في قبال شهداء كربلاء, كما قتل سبعين الف نفر ثأراً لدم يحيى بن زكريا(9)
عندما استشهد الامام الحسين (ع) كتب عبدالله بن عمر الى يزيد بن معاوية:
(اما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الاسلام حدث عظيم ولايوم كيوم الحسين).
فكتب اليه يزيد:
(اما بعد يا احمق فاننا جئنا الى بيوت منجدّه, وفرش ممهدة, ووسائد منضدة, فقاتلنا عنها فان يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا, وان كان الحق لغيرنا فابوك اول من سنّ هذا وابتز واستأثر بالحق على أهله)(10).
التقى ابو حنيفة يوماً بمؤمن الطاق (احد اصحاب الامام الصادق (ع)) فسأله:
انتم تعتقدون بالرجعة وتسلمون بها؟
قال مؤمن الطاق: نعم!
قال ابو حنيفة:
اذن اقرضني الف درهم من فضة وارجعها لك الف درهم من ذهب اذا رجعنا.
فقال مؤمن الطاق:
اعطني كفيلاً بانك ترجع انساناً ولا ترجع خنزيراً(11).
بعد وفاة الامام الصادق عليه السلام، قال ابو حنيفة لمؤمن الطاق:
لقد توفي امامك.
اجابه مؤمن الطاق:
نعم! ولكن امامك (الشيطان) حي الى يوم القيامة. انه من المنتظرين الى يوم الوقت المعلوم.(12)
كان ابوعبيدة (ابوالمختار الثقفي) يبحث عن امرأة تناسبه. عرضوا عليه مجموعة من نساء قومه فابى أن يتزوج منهن حتى جاءه شخص في منامه وقال له:
تزوج من حسناء الدومه فلا تسمع فيها للائمٍٍ لومة.
وفي الصباح اخبر اهله فقالوا: قد أمرتَ ان تتزوج من دومة بنت وهب. فتزوجها ابوعبيده وعندما حملت لـه المختار رأت في منامها منادياً يقوال:
البشرى بالولد اشبه شيء بالاسد
اذا الرجال في كبد تقاتلوا على بلد
كان له الحظ الاشد
وبعد ان وُلد المختار جاء نفس هذا الشخص لام المختار في منامها وقال لها: ان هذا ابنك قبل ان يترعرع, وقبل أن يتشعشع, قليل الهلع, كثير التبع (يكون له اتباع كثيرون)(13).
روى الجعفري:
قال لي ابوالحسن الهادي(ع):
لماذا اراك عند عبدالرحمن؟
قلت:
هو خالي.
فقال (ع):
انه من المجسّمة, فأما أن تجالسه وتتركنا! او تجالسنا وتتركه! فلايمكن أن تجالسنا وتجالسه لانه صاحب معتقد فاسد
قلت:
فليقل ماشاء فانه لايؤثر في عقيدتي .
فقال الامام (ع):
الا تخاف أن ينزل عليه عذاب فيصيبك؟ ثم ذكر (ع) قصة ذلك الشاب الذي كان من اتباع موسى (ع) وابوه من اتباع فرعون فقال: عندما لحق فرعون وجيشه بموسى (ع) تخلف ذلك الشاب ورجع لينصح اباه, فلم يطعه ابوه وبقي مع فرعون.
و عندما وصلوا الى الساحل غرق الابن وابوه مع جيش فرعون. فابلغوا موسى (ع)بذلك. وسألوه عن حال الشاب هل هو من اهل الرحمة ام العذاب؟ فقال (ع):
الشاب من اهل الرحمة لانه لم يكن على عقيدة ابيه لكن عندما ينزل العذاب فأنه يشمل اقرباء المسيئين فيعم حتى المحسنين(14).
روي عن شخص انه قال:
ضعت في الصحراء مع صديق لي, فرأينا في جهة اليمين خيمة فدنونا منها وسلمنا من بعيد فخرجت لنا أمرأة مسَتّرة فردّت علينا السلام وقالت: من انتم؟
قلنا: نحن مسافرون ضللنا الطريق فلجأنا الى هذه الخيمة عسى أن تدلُّونا.
فقالت المرأة: اذن اديروا وجوهكم حتى لايقع نظركم عليّ, لأُهييء لكم مستلزمات الضيافة.
ففرشت لنا بساطاً وقالت: اجلسوا عليه حتى يرجع ولدي ويضيفكم.
فتأخر ولدها وبين فترة واخرى كانت ترفع طرف الخيمة وتنظر الى الصحراء عسى أن يرجع ولدها. وفي احدى المّرات رفعت طرف الخيمة وقالت:
ادعو من الله ان يكون مقدم هذا الراكب خيراً, فان هذا الجمل جمل ابني, ولكن الراكب غيره, فوصل الرجل ووقف على باب الخيمة وقال:
ياام عقيل عظم الله لك الاجر بمصاب ابنك عقيل.
فسألته المرأة: هل مات ابني عقيل؟
قال: نعم!
قالت: وماسبب موته؟
قال: تزاحمت الابل على الماء والقته في البئر!
قالت: انزل الآن وضيف هؤلاء!
فاعدت لـه شاة فذبحها وطبخ منها وجاءنا بالطعام فبدأنا نأكل ونحن مندهشين ومتعجبين من صبر هذه المرأة وبعد أن اتممنا الطعام, جاءت المرأة وقالت:
هل تحفظون شيئاً من القرآن؟
قلت: نعم!
قالت: اقرأ ما يهوّن عليّ مصيبتي.
قلت: قال الله تعالى:
]و بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون[(15)
فعندما سمعت المرأة الآية قالت: اقسم بالله عليك! هذه الآية كما قلتها في القرآن؟
قلت: والله! انها هكذا في القرآن.
قالت: رحمك الله!
ثم قامت وصلت ورفعت يديها بالدعاء وقالت:
اللهم! لقد ادّيت ما امرتني من الصبر في المصيبة فاوف لي بما وعدتني.
ثم قالت: لو بقي احد لاحد لبقي...
يقول الراوي قلت في نفسي انها تريد أن تقول لبقي ابني لي لاني بحاجة اليه ولكنها اكملت كلامها قائلة لبقي محمد(ص) خالداً لامته.
قال: ثم خرجنا من الخيمة فقلت في نفسي:
لم أرَ افضل من هذه المرأة الصابرة المحتسبة.
تقدم ابوالعاص بن الربيع ابن أخٍ لخديجة والذي كان من اثرياء واشراف مكة لخطبة زينب بنت رسول الله (ص) فطلبت خديجة من رسول الله (ص) أن يرضى بهذا الزواج وكان ذلك قبل نزول الوحي فزوج رسول الله (ص) إبنته زينب من ابي العاص.
و بعد نزول الوحي آمنت خديجة وبناتها برسول الله (ص) ولكن ابا العاص لم يؤمن.
و كان لرسول الله (ص)ابنة اخرى اسمها (رقية) او (ام كلثوم) وزوجّها من (عتبه بن ابي لهب) وكان ذلك قبل البعثة أيضاً.
و بعد نزول الوحي ودعوة رسول الله (ص) الناس الى عبادة الله وترك الاصنام اعتزله اهل مكه وبدأوا حربهم ضد رسول الله (ص) فاول ما اقترحوا على اصهار رسول الله(ص) ان يطلقوا بناته حتى ينشغل فكره (ص) بهن ولا يتفرغ لامر آخر.
فجاءوا الى ابي العاص اولاً وقالوا له:
طلق بنت محمد! وتخير ما شئت من نسآء قريش
فقال: ابوالعاص:
انا لا ارضى بذلك ولا افضل امرأة من نساء قريش على زوجتي.
لذلك قال رسول الله(ص) عنه:
أنه نعم الصهر.
فذهبوا الى عتبة بن ابي لهب وقالوا:
طلق بنت محمد! وتخير ماشئت من نسآء قريش.
فقال لهم:
اذا زوجتموني بنت ابان بن سعيد بن العاص او بنت سعيد بن العاص فسأطلق بنت محمد.
فطلقها وقبل ان يتزوج بنت سعيد بن العاص تزوجت بنت رسول الله (ص) من (عثمان بن عفان).
كان رسول الله (ص) في مكة غير قادر على التبليغ وبيان الحلال والحرام لذلك بقيت زينب بنت رسول الله (ص) المسلمة مع ابي العاص الكافر مع ان الشرع يحكم بانفصالها عنه حتى هاجر رسول الله (ص)الى المدينة وبقيت زينب مع ابي العاص.
فعندما جاءت قريش لقتال المسلمين كان ابوالعاص معهم فكان من جملة من أسَّره المسلمون.
جاءوا بالاسرى الى رسول الله (ص) وكان ابوالعاص معهم.
فارسلت قريش فدية لاسراها ومن بينها كانت زينب قد ارسلت قلادة اهدتها لها امها خديجة ليلة زفافها مقابل اطلاق سراح زوجها ابي العاص.
فلما رأى رسول الله (ص) تلك القلادة رق قلبه لحال ابنته زينب فقال للمسلمين:
اذا رأيتم صلاحاً ان تُطلِقوا اسير زينب وارجعوا لها اموالها.
فاستجاب المسلمون عن رغبة لمراد رسول الله (ص) وقالوا:
يارسول الله! فداك اموالنا وانفسنا.
وارجعوا اباالعاص والاموال التي ارسلتها زينب(16).
يقول ابن ابي الحديد (شارح نهج البلاغة):
عندما نقلت هذا الخبر لاستاذي (ابوجعفر) قال لي: انظن أن (ابابكر) و(عمر) لم يكونا مع رسول الله (ص) في هذه الاحداث؟
الا يقتضي الاحترام والاحسان لفاطمة الزهراء (ع) ان يستوهب لها فدك من المسلمين؟ ام كان مقامها دون مقام اختها زينب كيف وهي سيدة نساء العالمين؟ هذا اذا لم يكن لها حق في فدك ولم تصلها ارثاً عن رسول الله (ص).
يقول ابن ابي الحديد: قلت لاستاذي: بناءً على رواية ابي بكر عن رسول الله (ص) ان فدك حق عام للمسلمين ولا يحق لابي بكر أن يتصرف بها؟
فقال الاستاذ في جوابي:
فدية ابي العاص ايضا كانت للمسلمين ومع ذلك استرضاهم رسول الله (ص) وارجعها لابنته زينب.
قلت: اما رسول الله (ص) فكان صاحب الشريعة وامره نافذ اما ابوبكر فليس كذلك.
قال الاستاذ: لم اقل لِمَ لم ياخذها ابوبكر غصباً من المسلمين ويعطيها لفاطمة (ع) بل قلت: لماذا لم يصنع كما صنع رسول الله (ص) ويستوهبها لها من المسلمين؟ هل تظن ان ابابكر لو كان قد قال لهم: ياايها المسلمون هذه فاطمة بنت رسول الله (ص) جاءت تطالب بفدك فهل تهبونها لها؟ أتظن أن المسلمين لايهبونها لها؟
يقول ابن ابي الحديد: مثل هذا الكلام قاله ابوالحسن عبد الجبار بن احمد قاضي(17) القضاة و...(18)
(6) بحارالانوار: ج20, ص130.