|
الفصل الثالث |
الانبياء والامم السابقة
كانت بلقيس ملكة سبأ في اليمن حين كان سليمان عليه السلام حاكما على الشام. وكانت بلقيس وقومها يعبدون الشمس، فلما أخبر سليمان بذلك، بعث لها بكتاب جاء فيه:
]ألا تعلوا عليّ واتوني مسلمين[.
فدعت قوادها وكبار مملكتها لتشاورهم بشأن كتاب سليمان، فأشاروا عليها قائلين:
]نحن اولوا قوة وأولوا بأس شديد، والأمر اليك فانظري ماذا تأمرين[
قالت: لا أرغب في الحرب وأرى الصلح افضل من ذلك، واضافت علينا باديء ذي بدء ان نمتحن سليمان وصحبه لنرى ما يفعلون، وهل هو ملك أم نبي، فالملوك تستجيب للهدايا، أما أولياء الله فليسوا كذلك، واني مرسلة لسليمان بهدية فإن لم يقبلها فهو نبي وعلينا الاستجابة لـه.
فبعثت بلقيس بهداياها مع قافلة من الاشراف والحكماء لسليمان، فما كان من سليمان الا انه لم يعبأ بهم ولم يكترث للهدايا، ثم خاطبهم قائلا:
]أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل انتم بهديتكم تفرحون، ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغــرون[.
فرجعوا اليها واطلعوها الخبر. فتوصلت ملكة سبأ بفطنتها وفراستها الى ضرورة الاستجابة لأمر سليمان الذي يمثل الحق والتوحيد وعبادة الله، ولم يكن امامها سوى ذلك السبيل بغية حفظ مملكتها وجنودها ولذلك توجهت الى الشام برفقة طائفة من اشراف قومها وكبارهم فلما علم سليمان بقدومها قال لمن حوله:
]أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك[
قال سليمان عليه السلام:
ـــ اريده اسرع من ذلك.
فقال آصف بن برخيا:
]أنا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك[
فوافق سليمان عليه السلام على هذا الاقتراح، ولم تمض مدة حتى احضر عرشها عنده فحمد الله وأثنى عليه.
ثم امر عليه السلام بالقيام ببعض التغييرات في عرش بلقيس بهدف اختبار قدراتها العقلية وخلق الأرضية الخصبة عندها للإيمان. فأمرهم بسؤالها حين الدخول:
ـــ اهكذا عرشك.
بعد ان أشار اليه، فنظرت اليه غير مصدقة انه عرشها، فهي كانت قد تركته في ديار سبأ. الا انها رأت بعض العلامات التي تشير الى أنه عرشها، فقالت متعجبة:
ـــ كأنه هو!
ثم التفتت لاحقا الى انه حقا عرشها وقد جيء به قبلها بصورة غير طبيعية الامر الذي دفعها الى الاذعان للحق والتسليم لسليمان، وقد وردت بعض الاخبار المشهورة التي تفيد زواجها من سليمان ووقوفها الى جانبه في الدعوة الى التوحيد وهداية الناس([1]).
قتل رجل من بني اسرائيل أحد أقربائه وطرح جسده على طريق افضل سبط من اسباط بني اسرائيل، ثم جاء يطلب بدمه. فقالوا لموسى:
ـــ ان سبط آل فلان قتلوا فلانا.
فقال موسى عليه السلام: ائتوني ببقرة.
فظن بني اسرائيل ان موسى يستهزأ بهم، فقالوا منكرين:
ـــ اتتخذنا هزواً؟
قال عليه السلام:
ـــ اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين، فالإستهزاء عادة الجهال.
فقالوا حين تيقنوا جدية الامر:
ـــ ادع لنا ربك أن يبين لنا ماهي؟
قال الرضا عليه السلام: لو عمدوا الى بقرة اجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم، ولذلك قال لهم نبيهم:
ـــ إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك.
ثم سألوه:
ـــ ما لونها؟
فقال موسى عليه السلام:
ـــ صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
قالوا:
ـــ بين لنا ماهي فالبقر تشابه علينا!
قال عليه السلام:
ـــ انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها.
فسعوا جاهدين حتى وجدوها عند فتى من بني اسرائيل وحين ارادوا شرائها منه قال:
ـــ لا أبيعها الا بملئ مسكها ذهبا.
فجاءوا الى موسى عليه السلام وقالوا له ذلك، قال:
ـــ لا بد من شراءها.
فاشتروها وذبحوها فضربوا المقتول بذنب البقـرة([2]) فأحييّ الميت وقال:
ـــ يانبي الله! إن ابن عمي قتلني، دون من أدّعِيَ عليه قتلي.
فعلم الجميع بالقاتل فقال بعض اصحاب موسى عليه السلام له:
ـــ يا نبي الله! لهذه البقرة قصة جميلة.
قال عليه السلام: وما هي؟
قال: ان فتى من بني اسرائيل كان بارا بأبيه وأمه، وإنه اشترى يوما جنساً من السوق فجاء الى أبيه فرآه نائما فكره ان يوقظه ليأخذ منه ثمن ذلك الجنس، فترك ذلك الجنس وأعاده، فلما استيقظ ابوه، اخبره، فقال حسنا فعلت، وهذه البقرة لك عوضا مما فاتك.
فقال موسى عليه السلام:
ـــ انظروا الى البر بالوالدين ما بلغ بأهله من الخير([3]) .
كان عيسى عليه السلام واصحابه في سياحة، فمر بقرية فوجد اهلها موتى في الطريق والدور، فقال عليه السلام:
ـــ ان هؤلاء ما توا بسخطة ولو ماتوا بغيرها تدافنوا.
فقال اصحابه: وددنا لو عرفنا قصتهم!
فقيل له: نادهم سيجيبك أحدهم!
فناداهم عليه السلام: يا أهل القرية!
فناداه احدهم: لبيك يا روح الله.
قال عليه السلام: ما حالكم وما قصتكم؟
قال: اصبحنا في عافية وبتنا في الهاوية!
قال عليه السلام: وما الهاوية؟
قال: بحار من نار فيها جبال من نار.
قال عليه السلام: وما بلغ بكم ما أرى من العذاب؟
قال: حب الدنيا وطاعة الطاغوت.
قال: وكيف كان حبكم للدنيا؟
قال: كحب الصبي لثدي أمه، اذا اقبلت الدنيا فرحنا، واذا ادبرت حزنا.
فاطرق عليه السلام ثم سأله:
ـــ ما بلغ من طاعتكم للطاغوت؟
قال: كانوا اذا أمرونا اطعناهم .
قال عليه السلام: لم اجبتني من بينهم؟
قال: لأنهم لجموا بلجام من نار عليهم ملائكة غلاظ شداد وأني كنت فيهم ولم أكن منهم، فأنا متعلق بشعره على شفير جهنم أخاف ان اقع في النار!
فالتفت عيسى عليه السلام لأصحابه وقال:
ـــ أن النوم على المزابل واكل خبز الشعير مع سلامة الدين أفضل مما ترون من سوء العاقبة([4]).
قال الباقر عليه السلام:
كان في بني اسرائيل عابد يقال لـه جريح، وكان يتعبد في صومعة فجاءته أمه وهو يصلي، فدعته فلم يجبها، فانصرفت ثم اتت بعد ساعة ودعته فلم يجبها فانصرفت ثالثة فدعته فلم يلتفت اليها. فانصرفت ممتعظة وهي تقول اللهم العنه.
وفي الغد جاءت فاجرة وقد قعدت عند صومعته قد أخذها الطلق، فادعت ان الولد من جريح.
ففشا في بني اسرائيل إن من كان يلوم الناس على الزنا قد زنى، فأمر الملك بصلبه، فأقبلت أمه اليه تلطم وجهها فقال لها:
ـــ اسكتي، انما هذا لدعوتك.
فقال الناس لما سمعوا ذلك منه:
ـــ وكيف لنا بذلك؟
قال:
ـــ هاتوا الصبي.
فجاؤا به، فأخذه فقال:
ـــ من أبوك؟
قال بكل وضوح:
ـــ الراعي فلان.
وهكذا أعاد الله له ماء وجهه اثر رضى أمه وازال عنه التهمة فحلف جريح الا يفارق امه ويخدمها بكل ما أوتي من قوة([5]).
كان في بني اسرائيل قاض يقضي بالحق والعدل بينهم، فلما حضرته الوفاة، قال لأمرأته:
ـــ اذا مت فغسّليني وكفنيني وغطي وجهي وضعيني على سريري (التابوت) فانك لا ترين سوءا ان شاء الله.
فلما مات فعلت حسب وصيته، ثم مكثت بعد ذلك حينا. وكشفت عن وجهه، فاذا دودة تقرض منخره، ففزعت من ذلك، فغطت وجهه ثم قام الناس بتشييعه ودفنه.
فلما كان الليل أتاها في منامها وقال لها:
ـــ افزعت مما رأيت؟
قالت: نعم.
قال: والله ما هو الا في أخيك وذلك إنه أتاني ومعه خصم لـه فلما جلسا، قلت اللهم اجعل الحق لـه فلما اختصما كان الحق لـه ففرحت فاصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له([6]).
كان رجل من بني اسرائيل، يبني قصرا عظيما وأعد فيه مختلف الاطعمة مما لذ وطاب وكان يدعو اليه الاثرياء دون المساكين والفقراء وحينما يحضر دعواته بعض الفقراء، فكانوا يطردون ويقال لهم:
إن هذا الطعام لم يعد لأمثالكم !
فأوحى الله الى ملكين ان ادخلا بصورة فقيرين، فقوبلا بما كان يقال به الفقراء .
فأمرهم الله بالحضور كشريفين ثريين، فلما حضرا المجلس، استقبلا استقبالا كريماً.
فأوحى الله اليهما أن اقلبا المدينة رأسا على عقب([7]).
قال سليمان الديلمي، قلت للامام الصادق عليه السلام فلان عبادته ودينه وفضله كذا.
فقال: كيف عقله؟
قلت: لا أدري.
قال عليه السلام: ان الثواب على قدر العقل.
ثم قال عليه السلام: إن رجلا من بني اسرائيل كان يعبد الله في جزيرة خضراء كثيرة الشجر طاهرة الماء. فمر ملك من الملائكة فقال:
ــ يا رب أرني ثواب عبدك هذا.
فأراه الله ذلك، فاستقله الملك لما كان يرى منه من عبادته. فأوحى الله اليه أن اصحبه. فأتاه الملك في صورة أنسي. فسأله العابد:
ـــ من أنت؟
قال: رجل عابد، بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان، فأتيتك لأعبد الله معك.
فكان معه يومه ذلك، فلما اصبح قال له الملك:
ـــ إن مكانك لنزهه وما يصلح الا للعبادة.
فقال العابد: ان لمكاننا هذا عيباً.
قال: وما هو؟
قال: ليت لربنا بهيمة فلو كان لـربنا حمار لرعيناه في هذا الموضع، فان هذا الحشيش يضيع.
فقال له الملك: وما لربك حمار؟
قال العابد: لو كان له حمار ماكان يضيع مثل هذا الحشيش.
فأوحى الله عزوجل الى الملك : إنما أثيبه على قدر عقله([8]).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ترافق ثلاث من بني اسرائيل في سفر وفي اثناء الطريق لجأوا الى غار ليعبدوا الله فيه وبعدما دخلوا الغار سقطت صخرة كبيرة من اعلى الجبل وسدّت باب الغار فعرفوا أن أجلهم قد حلّ. وبعد ان فكروا كثيرا في طريق الخلاص والنجاة أشار بعضهم على بعض وقالوا:
والله! لا سبيل للنجاة سوى أن ندعوا الله بصدق واخلاص، فليتقرب كل واحد منا بتلك الاعمال التي عملناها خالصة لوجهه، عسى أن يفرج عنا الله وينجينا من هذا المأزق.
قال أحدهم:
اللهم! انت تعلم باني كنت أحب امرأة جميلة وبذلت الغالي والنفيس من اجلها حتى وصلت اليها وخلوت بها فسألتها نفسها قالت: اتق الله! ففزعت ورجعت الى صوابي وتذكرت نار جهنم فخليت سبيلها.
اللهم! ان كان ذلك ابتغاء لوجهك ورضاك ففرج عنا وازح الصخرة عن باب الغار، فانزاحت الصخرة قليلا حتى رأوا بعض النور يدخل عليهم.
قال الثاني:
اللهم! انت تعلم اني استأجرت بعض الناس ليعملوا لي على أن اعطي كل واحد منهم نصف درهم اجرة لعمله وبعد ان اتموا عملهم اعطيت كل واحد منهم نصف درهم فاخذوا اجرتهم الاّ واحدا منهم فانه امتنع عن اخذ اجرته وطالبني باكثر من ذلك محتجا بان عمل مكان شخصين فلم يقبل الاّ بالدرهم كله وامتنع عن اخذ نصفه واخيراً لم يأخذ اجرته، فاشتريت بنصف الدرهم بذراً وزرعته فبارك الله بهذا الزرع وقد حصدت منه كثيرا وبعد مدة جاء الاجير فاعطيته ثمانية عشر الف درهم (اصل المال والربح).
اللهم! ان فعلت ذلك قربة اليك ازح الصخرة عن باب الغار، فمالت الصخرة قليلا حتى رأوا نورا اكثر ولكن لم يستطيعوا الخروج.
قال الثالث:
اللهم! انت تعلم انه كان لي والدان وكنت آتيهم بالحليب في كل ليلة ليشربوا قبل أن يناموا، وفي احدى الليالي جئت الى المنزل متأخرا فرأيتهم قد ناموا، فكرت ان اضع الحليب الى جنبهم واغادر لكني خشيت ان يقع فيه أو يشرب منه حيوان ففكرت ان ايقظهم لكني خشيت ازعاجهم، لذلك جلست عندهم حتى استيقظوا ثم سقيتهم الحليب!
اللهم! ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا وازح الصخرة عن باب الغار.
فانزاحت الصخرة وفرج الله عنهم وخرجوا من الغار.([9])
ان الله أوحى الى نبي من الانبياء، ان لرجل في أمته دعوات مستجابة، فاخبر ذلك الرجل، فانصرف الرجل من عنده الى بيته، فأخبر زوجته بذلك فالحت عليه ان يجعل دعوة لها فرضى. فقالت:
ـــ سل الله ان يجعلني أجمل نساء الزمان.
فدعا الرجل فصارت كذلك. فرأت رغبة من الملوك والشبان المتنعمين فيها، فزهدت في زوجها الشيخ الفقير وجعلت تغالطه وتخاشنه وهو يداريها ولا يكاد يطيقها، فدعى الله ان يجعلها كلبة فصارت كذلك.
ثم اجتمع اولاده حوله يبكون ويئنون والناس يعيروهم ويقولون لهم أن أمهم كلبة نابحة، فدعا الله فصيرها كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث هباءا([10]).
كان في زمن موسى(ع) ملكا ظالما. فاستشفعه عبد صالح فشفعه وقضى حاجته! وشاءت الاقدار ان مات الملك وذلك العبد الصالح في يوم واحد. فاجتمع الناس لتشييع جنازة الملك ودفنها. واقام الناس مراسم العزاء بعد ان عطلوا اعمالهم لثلاثة أيـام.
اما جنازة المؤمن فقد بقيت في بيته، ثم سلط عليها حيوان فجعل يأكل وجهه! فعلم موسى عليه السلام بذلك الخبر بعد ثلاثة ايام فقال عليه السلام حين ناجى الله:
ـــ إلهي! كانت تلك الجنازة لعدوك الذي شيع ودفن بكل وقار واحترام، بينما هذا وليك وقد بقيت جنازته في البيت ثم أكل الحيوان وجهه، فما ذلك؟
فأوحى اليه: ـــ ان يا موسى لقد سأل وليي ذاك الظالم حاجة فقضاها له، فأثبته على ذلك في هذا العالم!
أما المؤمن فقد سأل حاجته من ذاك الظالم، فعاقبته في هذا العالم. فكلاهما رأى نتيجة عمله([11]).
كان من شرائع عيسى عليه السلام السياحة في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من اصحابه قصير وكان كثير الملازمة لعيسى عليه السلام وفي أحدى الاسفار انتهى عيسى عليه السلام الى البحر.
فقال بيقين:
Aبسم الله الرحمن الرحيم@ ومشى على الماء.
فلما رآه القصير كذلك، تبعه وقال على وجه اليقين:
Aبسم الله@ فلحق بعيسى عليه السلام فداخله العجب والغرور، فقال في نفسه:
هذا عيسى عليه السلام روح الله يمشي على الماء، وانا أمشي على الماء فما فضله علي؟
فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى عليه السلام:
ـــ ياروح الله خذ بيدي وانقذني من الغرق!
فأخذ عليه السلام بيده، فأخرجه، ثم قال له:
ـــ ما قلت حتى غرقت في الماء؟
قال: قلت هذا عيسى روح الله يمشي على الماء وانا أمشي على الماء ايضا، فما فضله علي، فدخلني من ذلك عجب فرمست في الماء.
قال عيسى عليه السلام:
ـــ لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه، فمقتك الله على ما قلت، فتب الى الله مما قلت.
قال: فتاب الرجل وعاد الى مرتبته التي وضعه الله فيها.
قال الصادق عليه السلام بعد أن روى هذه القصة:
Aفاتقوا الله ولا يحسدن بعضكم بعضا@.([12])