الصفحة الآتیه

المقدمة

الصفحة الماضية

 

في يوم من أيام ذكرى شهادة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها دعاني احد الأخوة المؤمنين في طهران لقراءة المأتم في وفاة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها فاستجبت له وتناولت في مجلسي عنده الآية الكريمة: } وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين { ( [1]) وهي الآية التي نزلت على النبي صلى الله عليه و آله في معركة أحد بعد انهزام المسلمين بأجمعهم الا علي عليه السلام ثم ثاب الى النبي صلى الله عليه و آله بعض اصحابه كعاصم بن ثابت وابودجانة وسهل بن حنيف وسمع المسلمون آيات الغضب الالهي بالتعبير الواضح الذي اشارت اليه الآية الكريمة (انقلبتم على اعقابكم) واسماً إياهم بالانقلاب على الاعقاب والرجوع الى اقبح الاديان الى ما كانوا عليه من قبل من الشرك وعبادة الاوثان.

فلما ان رد الله المشركين بغيظهم وانجلى الموقف عن اميرالمؤمنين صلوات الله و سلامه عليه يدافع عن رسول الله صلى الله عليه و آله كلما جاءته كتيبة قال له رسول الله يا علي اكفني اياها فيهجم عليها اميرالمؤمنين ويقتل أماثلها ويفر الباقون هكذا مرة بعد اخرى حتى عجبت من مواساته ملائكة السماء فقال جبرئيل للرسول صلى الله عليه و آله : (لقد عجبت من مواساة هذا الفتى ملائكة السماء) قال رسول الله صلى الله عليه و آله : (وما يمنعه من ذلك و هو مني وأنا منه) فنادى بين السماء والارض: (لا سيف الا ذوالفقار ولا فتى الا علي).

اقول فلما ان رد الله المشركين بغيظهم و قُتل من قتل من المسلمين عاد بعض المنهزمين فلامهم النبي صلى الله عليه و آله على هروبهم فقالوا له نفديك بابائنا و امهاتنا يا رسول الله سمعنا انك قتلت فرُعِبَتْ قلوبنا وولينا مدبرين فقرأ لهم النبي صلى الله عليه و آله ما نزل بشأنهم من القرآن فسمعوه بآذانهم وعلموه بقلوبهم، أقول فهلا اعتبر من ذلك من اعتبر وراجع نفسه وعاهد الله تعالى على الا يعود الى مثل ذلك مستقبلاً خاصة وان الاية الكريمة تعتبر من اعلام النبوة لانها تقول: (أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) اننا حينما نستقري الأحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله نجد ان القوم إلا نفر يسيراً منهم انقلبوا على ما عاهدوا عليه الله و رسوله في كثير من المواقف والمشاهد و ترتب على ذلك هذا الانحراف الكبير في الخط الرسالي الذي عاناه المسلمون ولايزالون.

فلما ان انتهى ذلك المجلس جاءني بعض الاخوة الذين حضروا داعين لي بالتوفيق وسألوني لما ذكرت من حقائق ووقائع ثم قالوا جزاك الله خيراً عن اهل بيت نبيك إذ أننا نعيش هذه الايام وسط أجواء مغشوشة ودعايات محمومة وتيارات لم نسمع بها من قبل ناجمة عن الجهل والغفلة وعدم الاحاطة من ان الزهراء صلوات الله سلامه عليها إمرأة عادية كسائر النساء يجري عليها ما يجري على النساء ؟؟؟ ونسوا مع شديد الاسف ما جاء في حقها من قرآن ميزّها صلوات الله وسلامه عليها عن سائر النساء نسوا ما نطق به الصادق الامين الذي لا ينطق عن الهوى من فضائل و مناقب في حقها حتى غدت سيدة نساء العالمين يرضى الله تعالى لرضاها و يغضب لغضبها نسوا أنها من اهل هذا البيت الذي اراد الله تعالى له الطهارة بكل اشكالها والوانها بيت اذن الله تعالى له ان يرفع ويقدس بيت يستأذن فيه جبرئيل عليه السلام الباري جلّ وعلا ان يكون لهم سادساً.

وأمام هذا الواقع المرير جالت في نفسي أفكار قررت معها ان اكتب ما به أساهم في تنوير الأذهان ومكافحة هذه الشبهات ودفع هذه الاوهام وقد سهل الباري جل وعلا ذلك إذ طلبت مني إدارة الموسوعة الكومبيوترية الموقرة ان اكتب في هذا المجال فنهضت بالأمر مستعيناً بالله سبحانه وما أحلى الكتابة حين تكون عن آل الله وعترة رسوله فكانت هذه الموسوعة المباركة التي اسميتها (موسوعة العترة الطاهرة والتي صدر منها بين يديك اخي القاريء العدد الاول باسم (فاطمة الزهراء الحوراء الانسية) و سيليه العدد الثاني (علي صراط الله المستقيم) و أسأله تعالى ان يمدني باسباب التوفيق لاكمالها ويتقبل مني هذا العمل في سبيله لارشاد عباده فإن الفتن كما يقول سيدنا ومولانا اميرالمؤنين عليه السلام إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبهت اللهم اعصمنا بلطفك ونبهنا من الغفلة برحمتك وأنر قلوبنا بنور محبتك يا ارحم الراحمين. قال تعالى:

} والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وأنابوا الى الله لهم البشرى فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم اولوا الالباب { . ( [2])


الاهداء

اليك يا رسول الله …

يا من نور الله به الارض فاشرقت بنور ربها

اليك ايها الصادق الحبيب المظلوم في عترته

أرفع هذا الجهد القليل عن بضعتك الطاهرة بل ثمرة فؤادك وروحك التي بين جنبيك.

يا رسول الله: ما أشد ما يستغربه الانسان المسلم بل المنصف حينما يقرأ ما صنعه القوم بعد وفاتك مع أحب خلق الله اليك!!

أترى كان ذلك مجازاة لك على عظيم النعمة!؟

ام كان ذلك مراقبة لله تعالى في اوليائه واصفيائه!!؟

ام كان ذلك ما تقتضيه الانسانية والفعل الجميل في المثكول والمفجوع!! وأي مثكول ومفجوع هو!!؟ وأي فاجعة كانت؟ وأي مصيبة اعظم على الزهراء واهل بيتها من فقدان رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه و آله حتى لقد قال علي عليه السلام : (بتنا ليلة قبض رسول الله كأن لا أرض تُقِلنا ولا سماء تُظِلُّنا). ( [3])

هذا وقد حذرت الامة من الاختلاف وانذرتها من الارتداد وقمت مقاماً بعد مقام مذكراً بمنزلة أهل بيتك داعياً الى الاعتصام بهم فالمتقدم لهم مارق والمتخلف عنهم زاهق وهم الاعلم وهم الافضل وهم الامان من كل ضلال وفرقة مؤكداً نداء الفطرة قائلاً: (المرء
يحفظ في ولده) فماذا عساك ان تقول يا سيدي اكثر من هذا للتحذير من الفتنة والارتداد على الاعقاب وقد قلت فيما قلت من أحاديث الحوض: روى البخاري ومسلم ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: (يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب اصحابي فيقول: انه لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى). (
[4])

فإلى مقامك الشامخ ارفع بضاعتي هذه عن بضعتك الطاهرة التي ارادت بحزنها و دموعها وآلامها و بليغ خطاباتها ان تعدل الاعوجاج وتقوم الانحراف ولكن… هيهات ليقضي الله امراً كان مفعولا.

وهل أحدٌ أولى بابنتك منك فتقبل يا سيدي جهد المقلّ المذنب وامنحني رضاك فهو حسبي يوم القاك بين يدي الله الغفور الرحيم.


[1] - سورة آل عمران الآية 144.

[2] - سورة الزمر، آية 17 و 18.

[3] - ....

[4] - جامع الاصول ج11 رقم الحديث 7973 ص 120.

عنوان الکتاب