آية الله الشيخ حسن الحلي (قدس سره)
(648-726هـ)

نسبه:

الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين علي بن مُطهَّر الحلّيّ. عُرف بـ   « العلاّمة »، ولم يُطلَق هذا اللقب على أحد قبله. أمّا « الحِلّيّ »، فنسبةً إلى مدينة الحلّة في العراق.

ولادته ونشأته:

أرّخ مولدَه والده الشيخ سديد الدين يوسف بليلة الجمعة في الثلث الأخير من ليلة 27 شهر رمضان سنة 648 هجريّة.

فنشأ في بيئة طيّبة عُرفت بالعَراقة في العلم وسموّ المراتب، وترعرع في أجواء المعرفة والفضيلة. فقرأ على خاله المحقق الحليّ، ومِن قبله على والده، وعلى السيّد جمال الدين أحمد بن طاووس وأخيه السيّد عليّ بن طاووس، وعلى جماعة كثيرة من العامّة والخاصّة، ففرغ من تصنيفاته الحِكَمية والكلاميّة وأخذ في تحرير الفقه قبل أن تكتمل له ستّ وعشرون سنة. وبذلك أصبح متقدّماً على أقرانه، معروفاً بالنبوغ الذهنيّ، ثمّ انتقلت إليه الرئاسة الدينيّة والريادة في التدريس والفُتيا بعد وفاة خاله المحقّق، فعمل على تطوير المناهج العلميّة في الفقه والأصول.

أمّا في أخلاقه وتقواه.. فقد قال السيّد محمّد مهدي بحر العلوم: إنّه مع ذلك ( أي مع علمه الوافر ) كان شديدَ التورّع، كثير التواضع، خصوصاً مع الذريّة الطاهرة النبويّة. ووصفه الباحث الرجاليّ الميرزا عبدالله الأفندي الإصفهانيّ بقوله: وكان من أزهد الناس وأتقاهم.

مكانته العلميّة:

تجلت المكانة العلميّة للعلاّمة الحليّ واضحة في خمسة أوجه، نعرضها على هذا النحو:

أوّلاً:أقوال العلماء فيه :

أ. الحُرّ العامليّ.. قال عنه: فاضل، عالم، محقّق مدقّق، ثقةٌ ثقة، فقيه محدّث متكلّم، ماهر جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة.

ب. ابن داود.. وهو معاصر له، قال: صاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت إليه رئاسة الإماميّة في المعقول والمنقول.

ج. الشهيد الأوّل.. عبّر عنه بأنّه: أفضل المجتهدين.

ثانياً: لم يتّفق لأحدٍ من العلماء قبل الشيخ جمال الدين الحسن الحلّيّ أن لُقّب بالعلاّمة، فهو أوّل من أحرز هذا اللقب، وقد انتزعه من إعجاب العلماء بمعارفه.. حيث تألّق ذكره في الآفاق، وسطع نجمه في سماء العلم، وسمت مكانته بين العلماء.

من هنا يكون لقبه ذاك بمثابة وسام علميّ يشير ـ بوضوح ـ إلى منزلته العلميّة الرفيعة. وممّا يُذكر أنّه قد نال هذا اللقب الفاخر بعد مناظرة مشهورة له في مجلس السلطان الجايتو خُدابَنْدَه، إذ كشفت تلك المناظرة عن ذهن وقّاد وعلم زاخر وفهم وافر، ودقّة مدهشة واستحضار غريب. وعلى أثر ذلك مُنح هذا اللقب ارتجالاً، ثمّ ما لبث أن لازمه واختصّ به.

ثالثاً: ممّا امتاز به العلاّمة الحلّيّ أنه درس عند بعض علماء المذاهب الأُخرى.. خالطهم وحاجَجَهُم احتجاجاً علميّاً هادئاً، فاطّلع على ما عندهم، من جهة، ومن جهة أُخرى عرّفهم بما عنده. فاستمرّ في مناظراته معهم على إدراك وتثبّت ودقّة وبصيرة، حتّى فرَضَت مكانته العلميّة نفسَها على مُخالفيه، فلم يتعدَّوه إلاّ بعد الثناء عليه والإقرار بفضله وفضيلته. منهم: ابن حَحَر العَسقلانيّ. حيث ترجم له فقال فيما قاله فيه: لازمَ نصيرَ الدين الطوسيّ مدّة، واشتغل في العلوم العقليّة، وصنّف في الأصول والحكمة. كان رأسَ الشيعة بالحلّة، وقد اشتهرت تصانيفه، وتحرّج به جماعة. وشرحُه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحُسن في حَلّ ألفاظه وتقريب معانيه، وصنّف في فقه الإماميّة.

رابعاً: مؤلّفاته، وهي وجه آخر من وجوه منزلته العلميّة، ودليل واضح على مكانته السامقة وآفاقه الرحبة وبراعته النادرة. وكانت محطّ اهتمام العلماء من عصره إلى يومنا هذا: تدريساً وشرحاً وتعليقاً، واستفادة في موارد كثيرة.

مؤلفاته:

نذكر منها:
1 ـ التذكرة (الجزء الاول).
2 ـ التذكرة (الجزء الثاني).
3 ـ التذكرة (الجزء الثالث).
4 ـ التذكرة (الجزء الرابع).
5 ـ إرشاد الأذهان (الجزء الاول).
6 ـ إرشاد الأذهان (الجزء الثاني).
7 ـ التبصرة.
8 ـ الرسائل الشر.
9 ـ الرسالة السعدية.
10 ـ المختلف.
11 ـ القواعد.
12 ـ التحرير.
13 ـ إيضاح الأحكام.
14 ـ إثبات الرجعة.
15 ـ الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمّة الطاهرة.
16 ـ الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة.
17 ـ الألفين في إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام.
18 ـ الباب الحادي عشر.
19 ـ تلخيص المرام في معرفة الأحكام.
20 ـ تنقيح قواعد الدين المأخوذة عن آل ياسين.
21 ـ الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد.
22 ـ لبّ الحكمة.

خامساً: مناظراته، ولابدّ مِن مِثل العلاّمة الحليّ أن يُناظِر ويناظَر، ويُناقِشَ ويُناقَش. ولابدّ إلى مِثله تُوجّه الأسئلة، ومن مثلِه تُنتظر الأجوبة.. ومن هنا نُقل أنّ للعلاّمة الحليّ جَرَت احتجاجات كثيرة، بعضها رُويت وبعضها كتبها هو بنفسه.

وكان من رائعات مناظراته ما ذكره الشيخ محمّد تقيّ المجلسيّ في شرح من لا يَحضُره الفقيه ( روضة المتّقين ) في قصّةٍ خلاصتها أنّ السلطان الجايتو المغولي غضب على إحدى زوجاته فطلّقها ثلاثاً، ثمّ ندم فسأل العلماء فقالوا: لابدّ من المُحلِّل، فقال: لكم في كلّ مسألة أقوال، فهل يوجد هنا اختلاف ؟ قالوا: لا، فقال أحد وزرائه: في الحلّة عالِم يُفتي ببطلان هذا الطلاق. فاعترض علماء العامّة، إلاّ أنّ الملك قال: أمهِلوا حتّى يَحضُر ونرى كلامه. فأحضره، فكان من العلاّمة الحلّي أن دخل وقد أخذ نعلَيه بيده وجلس، فسئل عن ذلك فقال: خِفتُ أن يسرقه بعض أهل المذاهب كما سرقوا نعلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالوا معترضين: إنّ أهل المذاهب لم يكونوا في عهد رسول الله، بل وُلدوا بعد المئة من وفاته فما فوق. فقال العلاّمة الحليّ للملك: قد سمعتَ اعترافهم هذا، فمِن أين حَصَروا الاجتهاد فيهم ولم يجوّزوا الأخذ من غيرهم ولو فُرض أنّه أعلم ؟! سأل الملك: ألم يكن واحدٌ من أصحاب المذاهب في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله ولا في زمن الصحابة ؟ قالوا: لا، فقال العلاّمة: ونحن نأخذ مذهبنا عن عليّ بن أبي طالب وهو نَفْس رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخوه وابن عمّه ووصيّه، ونأخذ عن أولاده من بعده.

فسأله الملك عن الطلاق بالثلاث، فأجابه العلاّمة: باطل، لعدم وجود الشهود العُدول. وجرى البحث بينه وبين العلماء حتّى ألزمهم الحجّة جميعاً، فتشيّع الملك ألجايتو وخطب بأسماء الأئمّة الاثنَي عشر في جميع بلاده، وأمر فضُربت السكّة بأسمائهم عليهم السّلام، وأمر بكتابتها على جدران المساجد والمشاهد.

قال الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ: وفي عصر العلاّمة الحلّيّ استبصر السلطان ( خدابنده ) وتشيّع، وضرب النقود باسم الأئمّة عام 708 هجريّة.. وأُعطيت بعض الحريّات الدينيّة التي كان العبّاسيّون يمنعونها. وفي عصره أيضاً عادت الحلّةُ إلى مكانتها العلميّة القديمة، فازدهرت فيها المدارس بعدما عانت من الاضطهاد مُدداً طويلة.

وفاته:

توفي العلاّمة الحليّ يوم عاشوراء ليلاً، أي ليلة الحادي عشر من المحرّم سنة 726 هجريّة. وقد دُفن رحمه الله في المشهد الغروي المقدّس بالنجف الأشرف، بعد أن نُقل جثمانه من مدينة الحلّة إلى جوار الضريح المنوّر للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وعمره الشريف سبع وسبعون سنة وثمانية أشهر ونصف وثلاثة أيّام.