نزول القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)

في رأي عدد من العلماء أن القرآن الكريم نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرتين:

أحدهما: نزل عليه في ليلة القدرجملة واحدة، على سبيل الاجمال.

والأُخرى: نزل عليه تدريجاً، على سبيل التفصيل، خلال المدة التي قضاها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمته، منذ بعثته إلى وفاته.

ومعنى نزوله على سبيل الاجمال: هو نزول المعارف الالهية، التي يشتمل عليها القرآن، واسراره الكبرى على قلب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، لكي تمتلىء روحه بنور المعرفة القرآنية. قال عزّوجل في محكم كتابه: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ).

ومعنى نزوله على سبيل التفصيل، هو نزوله بألفاظه المحددة وآياته المتعاقبة والتي كانت في بعض الاحيان ترتبط بالحوادث، والوقائع في زمن الرسالة، وكذلك مواكبة تطورها. قال تعالى: ( كتاب احكمت آياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير ) هود:1.

نوضح مزايا التدرج بالنقاط الآتية:

1 ـ مرّت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والدعوة حالات مختلفة جداً خلال ثلاث وعشرين سنة تبعاً لما مرّت به الدعوة من محن، وقاسته من شدائد، وما أحرزته من انتصار وسجّلته من تقدم، وهي حالات يتفاعل معها الانسان الاعتيادي، وتنعكس على اقواله وافعاله ويتأثر باسبابها وظروفها، ولكن القرآن واكب تلك السنين بمختلف حالاتها من الضعف والقوة والعسر واليسر والهزيمة والانتصار، وكان يسيرُ دائماً على خطه الرفيع، لم ينعكس عليه لون من ألوان الانفعال البشري، الذي تثيره مثل تلك الحالات.

2 ـ إن القرآن بتنزيله تدريجياً كان إمداداً معنوياً مستمراً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما قال الله تعالى: ( وقال الذين كفروا لولا نُزّلَ عليه القرآنُ جملةً واحدةً كذلك لنثبتَ بهِ فؤادكَ ورتلناه ترتيلا ) الفرقان: 32.

فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة، كان أقوى للقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه، وتجدد العهد به وتقوية أمله في النصر، واستهانته بما يستجد ويتعاقب من محن ومشاكل.

ولهذا نجد القرآن يأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تارة بالصبر فيقول ( واصبرْ على ما يقولونَ واهجرهم هجرّ جميلا ) المزمل: 10.

وينهاه تارة اخرى عن الحزن كما في قوله: ( ولا يحزُنكَ قولُهمْ إنَّ العزةَ للهِ جميعاً ) يونس: 65.

3 ـ إن القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي، وإنما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملا كاملا، في عقله وروحه وإرادته، وهدفه الاساس هو صنع أمة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن ان يوجد مرة واحدة، وإنما هو عمل تدريجي بطبيعته، ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجياً، ليُحكم عملية البناء، وينشيء أساساً بعد اساس، ويجتث جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة، وقصة تحريم الخمر خير شاهد على مانقول.

4 ـ إن الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات والاتهامات، والاسئلة المختلفة من قبل المشركين، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحاجة إلى أن يواجه كل ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي، لان طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجية وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرة; وهذا لعله المراد من سياق قوله تعالى: ( ولا يأتوك بمثل إلا جئناك بالحقِّ واحسنَ تَفسيراً ) الفرقان: 33.