ظهور الامام المهدي (عليه السلام) بين الشيعة والسنة

اتفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء كلمة الحقّ، وإظهار الدين كله ولو كره المشركون، فهو بإذن الله ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير الله، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة، ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء، ويقطع أواصر العصبيّات القومية والعنصرية، ويمحو أسباب العداء والبغضاء التي صارت سبباً لاختلاف الأمّة وافتراق الكلمة، ويحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله عزّ وجلّ:

1 ـ ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)).

2 ـ ((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)).

3 ـ ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)).

وتشهد الأمة بعد ظهوره(ع) عصراً ذهبياًَ لا يبقى فيه على الأرض بيت إلا ودخلته كلمة الإسلام، ولا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة ((لا إله إلا الله) بكرة وعشياً.

لقد تواترت النصوص الصحيحة والأخبار المرويّة عن طريق أهل السنة والشيعة المؤكدة على إمامة أهل البيت(ع)، والمشيرة صراحة إلى أن عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل، وأن آخر هؤلاء الأئمة هو الذي يملأ الأرض ـ في عهده ـ عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، وأن أحاديث الإمام الثاني عشر المعروف بالمهدي المنتظر قد رواها جملة من محدّثي السنة في صحاحهم المختلفة، كأمثال الترمذي (المتوفى عام 297هـ)، وأبي داود(المتوفى عام 275هـ)، وابن ماجة(المتوفى عام 275هـ) وغيرهم، حيث أسندوا رواياتهم هذه إلى جملة من أهل بيت رسول الله (ص) وصحابته، أمثال الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأم سلمة زوجة الرسول الأكرم(ص)، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وغيرهم:

1 ـ روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله(ص): «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً».

2 ـ أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود: إن رسول الله(ص) قال: «لاتنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي».

3 ـ أخرج أبو داود عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة».

4 ـ أخرج الترمذي عن ابن مسعود: إن رسول الله(ص) قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي».

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي بلغت أعلى مراتب التواتر، إذ يقول الدكتور عبد الباقي: إن المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو راوِ أو راويين، إنها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح. هذا هو المهدي الذي اتفق المحدثون والمتكلمون عليه، وإنما الاختلاف بين الشيعة والسنة في ولادته، فالشيعة ذهبت إلى أن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر الذي ولد بسامراء عام 255هـ واختفى بعد وفاة أبيه عام 260هـ ، وقد تضافرت عليه النصوص من آبائه، علي وجه ماترك شكاً ولا شبهة، ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنة، وقالوا بأنه ولد، وأنه محمد بن الحسن العسكري.

والكثير منهم قالوا: بأنه سيولد في آخر الزمان، وبما أن أهل البيت أدرى بما في البيت، فمن رجع الى روايات أئمة أهل البيت في كتبهم يظهر له الحق، وأن المولود للإمام العسكري هو المهدي الموعود.

وممن وافق من علماء أهل السنة بأن وليد بيت العسكري هو المهدي الموعود:

1 ـ كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول).

2 ـ أبوعبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابيه: (البيان في أخبار صاحب الزمان)، و (كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب).

3 ـ نورالدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتابه: (الفصول المهمة في معرفة الأئمة).

4 ـ الفقيه الواعظ شمس الدين المعروف بسبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص).

إلى غيرذلك من علماء وحفاظ ذكر أسماءهم وكلماتهم السيد الأمين في أعيان الشيعة وأنهاها إلى ثلاثة عشر، ثم قال: والقائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنة كثيرون، وفيما ذكرناه منهم كفاية، ومن أراد الاستقصاء فليرجع إلى كتابنا (البرهان على وجود صاحب الزمان)، ورسالة (كشف الأستار) للشيخ حسين النوري.