علم الامام الكاظم (عليه السلام)
قال أبو حنيفة: حججت في
أيّام أبي عبدالله الصادق(ع) فلمّا أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر
إذنه، إذ خرج صبيّ فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: «على رسلك»،
ثم جلس مستنداً إلى الحائط، ثم قال: « تَوَقَّ شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية
المساجد، وقارعة الطريق، وتوارَ خلف جدار، وشلّ ثوبك، ولا تستقبل القبلة ولا
تستدبرها، وضع حيث شئت». فأعجبني ما سمعت من الصبي، فقلت له: ما اسمك؟ فقال: « أنا
موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب» فقلت له: يا غلام ما
المعصية؟ فقال: «إن السيّئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إمّا أن تكون من الله وليست من
العبد، فلا ينبغي للربّ أن يعذّب العبد على ما لايرتكب، وأمّا أن تكون منه ومن
العبد، وليست كذلك، فلا ينبغي للشريك القويّ أن يظلم الضعيف، وأمّا أن تكون من
العبد ـ وهي منه ـ فإن عفا فكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته.»
قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألقَ أبا عبدالله واستغنيت بما سمعت.
وروى ابن شهرآشوب في المناقب نحوه إلا أنّه قال: «يتوارى خلف الجدار
ويتوقّى أعين الجار»، وقال: فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني، وعظم في قلبي،
وقال في آخر الحديث: فقلت: ذرّية بعضها من بعض.