موقف الامام علي (عليه السلام) في واقعة الغدير

حجّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجة الوداع، فلما قضى (ص) مناسكه، وانصرف راجعاً الى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورة، وصل إلى غدير (خُمّ) من الجُحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين. وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة؛ نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك) المائدة:67 وأمره أن يقيم علياً علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سَمُراتٍ (شجر الطلح) خمسٍ متقاربات دوحاتٍ عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم، فقُمّ ما تحتهنّ، حتى إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهنّ، فصلّى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدّة الرمضاء، وظُلِّلَ لرسول الله بثوب على شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس، فلما انصرف (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من صلاته، قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل، وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته، فقال:

«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مُضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله......

ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات ـ ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب. ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) المائدة:3. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ألله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي».

ثم طَفِقَ القوم يهنّئون أميرالمؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وممن هنّأه ـ في مقدّم الصحابة ـ الشيخان ـ أبوبكر وعمر كلّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عباس: وجبت ـ والله ـ في أعناق القوم.

فقال حسّان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.

فقال: «قُل على بركة الله».

فقام حسان، فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية، ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ، وأسمع بالرسول مناديا
فقال فمن مولاكمُ ونبيّكم فقالوا، ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبيّنا ولم تلق منّا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا عليّ فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا
هناك دعا اللهم والِ وليّه وكن للذي عادى علياً معاديا

وقد أقرّه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما فهمه من مغزى كلامه، وقرّظه بقوله: «لا تزال يا حسّان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك».

هذا مجمل القول في واقعة الغدير. وفقنا الله وإياكم لنسير على خطى صاحب الغدير ومن المتمسكين بولايته، راجين شفاعته لنا عند الله عزّ وجلّ يوم لا ينفع مال ولا بنون.