الصفحة الماضية

الشيعة من الصحابة

صفحة الآتية

 

ولو أردتُ أنْ أعدَ عليك الشِّيعة من الصحابة ، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السنَّة لأحوجني ذلك الى إفراد كتاب ضخم ، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشَيعة .

راجع ( الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة )(1) للسيِّد علي خان صاحب ( السُّلافة )(2) وغيرها من الكتب الجليلة ( كطراز اللغة )(3) الِّذي هو من أنفس ما كُتب في اللّغة. على أنَّه ـ رحمه الله ـ لم يذكر في الطبقات إلاّ مشاهير الصحابة بعد بني هاشم ـ كحمزة ، وجعفر ، وعقيل ونظائرهم ـ وذكر من غيرهم أكثر مَنْ قدمنا ذكرهم بزيادة عثمان بن حنيف ، وسهل بن حنيف ، وأبي سعيد الخدري ، وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار ، وبريدة ، والبراء بن مالك ، وخبّاب بن الأرت ، ورفاعة بن مالك الأنصاري ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة ، وهند بن أبي هالة ، وجعدة بن هبيرة المخزوميّ ، واُمّه اُمّ هاني بنت أبي طالب ، وبلال بن رباح المؤذن .

هؤلاء جلَّ من ذكرهم أوأكثرهم ، ولكن يخطرعلى بالي انّي جمعتُ ما وجدتُه في كتب تراجم الصحابة ( كالإصابة ) و ( أُسد الغابة ) و ( الاستيعاب ) ونظائرها من الصحابة الشَيعة زهاء ثلاثمائة رجل من عظماء أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله كلّهم من شيعة علي عليه السَّلام ، ولعل المتتبع يعثر على أكثر من ذلك .

ولكن ما أدري أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام ؟ أم إمام الشِّيعة علي ابن أبي طالب عليه السَّلام الَّذي يشهد الثقلان أنّه لولا سيفه ، ومواقفه في بدر ، وأُحد ، وحنين ، والأحزاب ، ونظائرها لما اخضرَّ للاسلام عود ، ولما قام له عمود ، حتى قيل في ذلك :

بُنيَ الدِّينُ فَاستقامَ وَلولا * ضربُ ماضيهِ ما استقامَ البناءُ

وغالى المعتزلي عبدالحميد وأساء التعبير حيث قال :

ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حسامهُ * . ...... . . . .. . .. ....

نعم ، لولا حسامه ، ومواقفه ـ بعد الهجرة وقبلها ـ وحماية أبيه أبي طالب قبل الهجرة ـ هذا في مكة وذاك فيها وفي المدينة ـ لقضت قريش وذئبان العرب على الإسلام في مهده ، وخنقته وهو في حجر اُمِّه .

ولكن جزاء أبي طالب من المسلمين أنْ يحكموا بانَّه مات كافراً (4)!! أمّا أبو سفيان الَّذي ما قامت راية حرب على إلنبيّ الا وهو سائقها وقائدها وناعقها ، والَّذي أظهر الإسلام كرهاً وما زال يعلن بكفره وعدائه للاسلام ، وهو الَّذي يقول لما صارت الخلافة الى بني أُميَّة : تلقَّفوها يا بني اُميَّة تلقُّف الكرة ، فوالَّذي يحلف به أبو سفيان (5) ما من جنَّة ولا نار(6)! !

نعم ، هذا بحكم المسلمين مات مسلماً(7) ، وأبو طالب حامية الاسلام مات كافراً ! ! ، معِ أنَ أقلَّ كلماته :

وَلَقدْ عَلِمتُ بِأن ديِنَ مُحَمّدٍ * مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا(8)

وأبو طالب ليس بذلك الرجل الضعيف ، وذي الرأي السَّخيف الَذي يعلم بأنَّ دين مُحَمَّدٍ من خير الأديان ولا يتبعه ولا يتديَّن به خوفاً من إلناس ، وهو سيُد البطحاء ! فدع عنك هذا وعد الى حديث من أراد هدم الإسلام ! !

 

____________
(1) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : ضمنه مؤلّفه رحمه الله مجموعة واسعة من تراجم واخبار أعلام رجال الشيعة منذ الصدر الاول للدولة الاسلامية المباركة ، مرتب على اثنتي عشرة طبقة ، على ما ذكره المؤلِّف رحمه الله في مقدمة كتابه ، تبتدأ بالصحابة وتنتهي باعلام إلنساء ، إلاّ أن الكتاب الذي بيدي لم يتضمَن إلاّ الطبقة الاولى وشيئاً يسيراً من الطبقة الرابعة والحادية عشرة فحسب ، فراجع .
(2) سلافة العصر في محاسن الشعراء بكلَ مصر : رتَّب المصنف رحمه الله تعالى هذا الكتاب بعد تطواف طويل في العديد من البلدان والامصار ، حيث جمع فيه جملة واسعة من تراجمٍ أعيان شعراء عصره ، وفصحاء دهره ، مستعرضاً فيه نتفاً من قصائدهم وفصول كلامهم ، ذاكراً لجانب من سيرتِهم ومؤلَفاتهم وسنة وفاتهم .

كما أنَ المؤلِّف رحمه الله رتَب كتابه وفقاً لمسلك الثعالبي في « يتيمة الدهر » والباخرزي قي « دمية القصر » .
(3) الطراز الاوَل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوَّل : قال عنه الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( 15 : 157|1035 ) : من أحسن ما كُتب في اللغة ، لكنه لم يتجاوز النصف من حرف الصاد المهملة ، وانتهى إلى كلمة « قمص » .

تكلَم المؤلِّف رحمه الله تعالى في كلِّ صيغة بكل ما لها من المعاني بكل اصطلاح ، وذكر جميع استعمالاتها الحقيقية والمجازية في الكتاب والسنة والمثل وغيرها .

(4) قد يعتقد البعض بتصؤُر عقلائي ومنطقي يبتني على استقراء جملة المناقشات الواسعة والمتعاقبة التي اضطلعِ بها علماء ومفكرو الشَيعة وطوال حقب مترادفة ومتلاحقة ـ في مجالسهم وندواتهم ومؤلفاتهم ـ أنَّ مسألة ايمان أبي طالب رحمه الله تعالى قد حُسمت واُقرت بشكل نهائي لا رجعة فيه ، ولا مجال لتكراره ، بل ويعدو من فضول الحديث وهذره اجترار الاحاديث السالفة المعروفة والمفنِّدة لاطروحات السابقين ـ الواضحة الاغراض والمباني ـ الذاهبة بشكل عجيب ومستهجن الى القطع بوفاة هذا الرجل دون نطقه للشهادتين ، واصراره على الموت مشركاً ! ! رغم تناقض ذلك الصريح مع السيرة الشخصية له ، والادلة العقلية والنقلية الثابتة لدى الفريقين .

نعم ، قد يعتقد البعض ذلك ، ولكن حقيقة الامر تتعارض وبشكل فعلي مع هذا التصور العقلائي والسليم ، فلا زلت تسمع ورغم كل ذلك جملة من التقولات السقيمة الخارجة عن اطار الدراسة العلمية والمنطقية وهي تجتر اقوالاً سقيمة عفا عليها الدهر واعتراها الصدأ لرموز مشخصة ومعروفة من اتباع السلاطين وطلاب الدنيا .

بلى إنَ اولئك الماضين من المحذَثين والكتّاب ووعّاظ السلاطين ـ من الذين تضطرب أنفاسهم ، ويسيل لعابهم أمام بريق الثروة والجاه والسلطان ـ كانوا ولا زالوا طلبة كل ذي غرض مشبوه وحاجة مريبة ، حيث لا تجدهم يترددون لحظة عن التقوِّل على الدين وأهله ، والافتراء عليهما ولو بابخس الاثمان .

نعم ، إنً تلك الضمائر المعروضة دوماً في سوق النخاسة هي مصدر المحن والفتن التي نخرت الكثير من جوانب هذا المجتمع الاسلامي الكبير ، وشوَّهت وحرًفت الكثير من الحقائق الناصعة والثابتة ، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجملة حساسة ومهمة من عقائد المسلمين ، فأحدثت بلا شك ارتباكاً واضحاً لا يسهل التغاضي عنه ولا ردمه ، ويستلزم لتجاوزه الكثير من التعقُل والتقوى ، وكنا ولا زلنا ننادي به .

والحق يُقال : إنَّ أوَل من سنّوا هذه السنًة السيئة ، وجهدوا في شراء الضمائر اللاهثة خلف بريق الذهب والفضة ، هم رموز الدولة الاموية وحكامها ، والتأريخ وسجلاته خير شاهد على ذلك ، بل إنَ هذه حقيقة واضحة لا نحتاج معها الى برهان .

ولعل مسألة الطعن في أيمان أبي طالب رحمه الله تعالى من تلك المسائل الحساسة التي ، جهدت السلطة الاموية وأزلامها في محاولة تركيزها في أذهان المسلمين بشتى الصور والاساليب لانَها ترتكز على جملة شواهد لا يسع الامويون غض النظر عنها :

أوّلها: عدائهم التقليدي والثابت للرسالة الاسلامية التي مرغت بالوحل كبرياءهم وسلطانهم الذي أقاموه على أرض الجزيرة من خلال سطوتهم وظلمهم وثروتهم ، حيث بدت أحلامهم بالسيطرة على أرض الجزيرة تتهاوى كاوراق الشجر في مواسم الخريف أمام تيار الدعوة الاسلامية المباركة ، والتي كان لابي طالب رحمه الله تعالى الفضل الكبير في ثباتها وبقائها ، فلا غرو أنْ تجد قلوب الامويين طافحة حقداً وبغضاً وعداءً لهذا الرجل .

ثانيها: ولعل هذا الامر هو القطب الاكبر الذي أجج هذا العداء لهذا الرجل في قلوب الامويين ، وهو كونه أباً لعلي عليه السلام لا أكثر ، وللامانة أقول : إن أبا طالب لو كان أباً لرجل من عامة المسلمين ، حتى ولو كان من فساقهم ، وكانت له عُشر هذه الخدمات الجليلة للاسلام لاقاموا له الدنيا مدحاً ولم يقعدوها ، ولترحّموا عليه في جميع مجالسهم وندواتهم ومحافلهم ، ولاطنبوا في مدحه حتى تمل الآذان . . . ولكنه ـ وتلك هي اُس القضية ـ أب علي الذي عجزت نفوس أجدادهم ورجولاتهم عن مواجهته في ميدان الفروسية والمنازلة ، فانكفوا في جحورهم كالسحالى يتلونون بالف لون ولون ، ويتسترون باكثر من ستار ، ويشترون الضمائر المعروضة للبيع في سوق إلنخاسة بأزهد الاثمان ، تلك الضائر التي لا تعدمها في كلّ عصر ومكان ، فاغدقوا عليهم المال الوفير للكيد به ، والاساءة اليه ، فاكثر اولئك التافهين من الكذب والافتراء ، والطعن والبهتان ، متخمِّرين ما تصوّروا أن له أشد التأثير بشخص علي عليه السلام ، والطعن بامامته ، فتوافق ذلك مع حقدهم على أبي طالب رحمه الله تعالى نتيجة وقوفه إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتلقفوها تلقف الكرة . . .

وهكذا فقد أصبح هذا الرجل ضحية مؤامرة محبوكة من مؤامرات الامويين ومكائدهم الجمة بالدين واهله ، وسرت تلك الروايات الكاذبة في الكثير من المصادر التاريخية وغيرها سريان السم الزعاق في بدن العليل ، دون أنْ يكلِّف البعض نفسه مؤونة التحقيق والمراجعة لصحة ما يقوم بنقله ، فتوارث الخلف آثام السلف ، واتبعوهم كالاعمى لا فحص ولا تمحيص ، وتلك هي والله اُم الفراقر ، وثالثة الاثافي .

والحق يُقال : إنَّ مجرد الاستقراء المتعجَل لجملة الحقائق التي يغفل عنها البعض تظهر بوضوح مظلومية هذا الرجل ، وجفاء العديد من مفكري الاُمّة وباحثيها له من العامَّة بشكل لا يُصدق ، رغم ما قرأته من بعض المباحث القيمة التي خرجت من حالة التقليد الاعمى التي سار عليها الكثيرون سابقاً ولا زالوا . . . وأنا وإنْ كنت في موضع لا يتسع لايراد جملة تلك الشواهد والادلة والحقائق إلاّ انِّي أُحيل القارئ الكريم الى قراءة ودراسة ما كُتب من قِبل علماء الشِّيعة ومفكريها حول هذا الموضوع ، وخلال ما مضى من القرون وفي هذه الايام ، ثم أدعوه للحكم على صحة ما ذهبا اليه دون تحزُّب أو تحيُّز إلاّ الى الحقِّ ، ومن ذلك :

1 ـ ايمان أبي طالب : للشَّيخ المفيد محمَد بن محمَّد بن إلنعمان البغدادي .

2 ـ ايمان أبي طالب : للسيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلِّي .

3 ـ ايمان أبي طالب : المعروف بكتاب الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب :

للسيِّد أبي علي فخار بن سعد الموسوي .

4 ـ شيخ الابطح ، أو أبو طالب : للسيِّد محمَّد علي آل شرف الدين الموسوي .

5 ـ الشهاب الثاقب لرجم مكفر أبي طالب : للشيخ ميرزا محمّد الطهراني.

6ـ ضياء العالمين في فضائل الائمة المصطفين : للشيخ أبي الحسن الفتوني النجفي .

7 ـ مواهب الواهب في فضائل أبي طالب : للشَّيخ جعفر إلنقدي .

8 ـ أبو طالب مؤمن قريش : للشيخ عبدالله الخنيزي .

(5) أي باللات والعزى .
(6) ا نظر : الاستيعاب 4 : 87 ، مروج الذهب 3 : 86 .
(7) وذلك والله من عجب العجاب ، فأنَّى تظل العقول مسترسلة في غيها وغفوتها ، وحتى مَ يبقى هذا الحجاب من الغفلة والجهل يطوي مكامن العقول ولباب الحقائق ، بل ومتى يتوقف البعض ولو قليلاً ليدرك عمق ما يتقوله دون حجة ولادليل ، ولا سلطان مبين . . . فمَنْ هو أبي سفيان ، وما هو تأريخه ، بل وهل هو خافٍ على أحد ليأتي مَنْ يأتي في آخر الزمان ، مُردداً ارهاصات وتخرصات الامويين السقيمة لتجميل وجه شيخهم الكالح البغيض ، وهو ما نقرأه بين الأونة والأُخرى في كراسات وقصاصات صفراء متغضنة ، وإلاّ فهل خفي على أحد أنَّ هذا الرجل كان مِنْ أكثر المؤلبين على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقائد الاحزاب ، والمتعبِّد باللات والعزّى ؛ والذي انفق جلّ أمواله في محاربة الله ورسوله حتى نزل فيه ـ على ما يروي الرازي في تفسيره ـ قوله تعالى ( إن الذينَ كَفَرُوا لَنْ تغني عَنهم أموالُهُم وَلا أولادُهُمٍ مِنَ اللهِ شَيئَا ) شهادتين إلا مُكرهاً ، مُسراً للعداوة ، مُبطناً للكفر ، مُتحينا للفرص السانحة ، كيداً بالاسلام وأهله ، حتى لقد روت عنه الكثير من المصادر التاريخية المختلفة ، وكتب التراجم والسير العديد من الاخبار التي تطعن في صحة اسلامه ، وتشكك فيه ، ومن ذلك قوله لعثمان حين صارت الخلافة اليه : قد صارت اليك بعد تيم عدي ، فادرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُمية ، فانَّما هو المُلك ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار! ! . انظر : الاستيعاب بهامش الاصابة 4 : 87 .

بل وما رواه ابن الزبير عنه يوم اليرموك حيث كان ( أي ابو سفيان ) إذا راى أن الروم ظهروا على المسلمين قال : ايه بني الاصفر ! واذا كشفهم المسلمون قال :

وَبَنوا الأصفرِالمُلوكِ مُلوك الر * وم لم يَبقَ مِنهم مَذكور

بل وفي حنين كانت الازلام في كنانته يستقسم بها ، ولما راى انهزام المسلمين سر بذلك وقال : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، لقد غلبت هوازن ! ! فقال له صفوان ـ وكان يستمع اليه ـ : بفيك الكثكث ( أي الحجارة والتراب ) . انظر : النزاع التخاصم : 52 .

واليك كتب التاريخ وغيرها تأمل بها فانها خير شاهد على ذلك ، رغم ما تسرب إلى العديد منها من الدس والافتراء ، والكذب الرخيص ، من الذين وان قيل باختلاف مشاربهم ولكنهم يتفقون بلا شك على عدواة أهل بيت إلنبوة عليهم السلام وبغضهم ، خلافاً لوصية الله تعالى بهم ورسوله صلى الله عليه وآله .
(8) أحد جملة ابيات مشهورة نقلتها المصادر المختلفة ، واتفقت على نسبتها إلى أبي طالب رحمه الله تعالى ، منها :

وَاللهِ لَـنْ يَصِـلُـوا إليكَ بجمعِهِم

*

حَتى اُوسد َفـي الترابِ كَـفـيـنا

فَاصدَعْ بِامرِكَ مَا عَلَيكَ غَضاضةّ

*

وَابشِرْ بِذاكَ وَقَـر مِـنـكَ عُيُونا

وَدَعَـوتَـني وَعَلِمتُ أئكَ ناصِحي

*

وَلَقد دَعَوتَ وَكُنتَ ثـم امـِـينـا

وَلَقَد عَلِـمـتُ بِـانَ ديـنَ مُحمًدٍ

*

مِنْ خَيرِ أديـانِ البَـريَـةِ دِيـنـا

 

 

عنوان الکتاب